"عقبال البيت الأبيض اللبناني"

05 تشرين الثاني 2024 07:46:21 - آخر تحديث: 05 تشرين الثاني 2024 07:46:22

يصرف اللبنانيون طاقة كبيرة في مواكبة استحقاقات العالم. يهلّلون لنجاحات الآخرين، يباركون للرؤساء الجدد، ينبهرون بأضواء المدن الناشئة وتقدّم الشعوب. وأما هنا فلا حول لهم ولا قوة.

مرّ عامان على الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية، وها هو الثالث قد بدأ، أي نصف ولاية رئاسية تقريباً. ولكن لا مشكلة، "فالبلد ماشي" واللبناني "يتعوّد"، وما أبشعها عادة.
"تعوّد" اللبنانيون على انهيار عملتهم الوطنية. استبدلوا الليرة بالدولار، وتوقّفوا عن تعداد الأصفار المليونية، فلا كلمة تعلو على "الكاش" الأخضر.
"تعوّد" اللبنانيون على انقطاع الكهرباء، وتحوّلوا فجأة إلى شعبٍ صديقٍ للبيئة والطاقة المتجددة.
"تعوّد" اللبنانيون على انقطاع الأدوية وشحنوها في حقائب السفر بعد كل رحلة خارجية.
"تعوّد" اللبنانيون على غياب البطاقة الصحيّة واختفاء الضمان الإجتماعي كما ضمان الشيخوخة.
"تعوّد" اللبنانيون على رائحة النفايات والمكبات العشوائية، التي تنفجر أنهاراً في الشتاء وتنبعث سرطاناً في حرائق الصيف. 
"تعوّد" اللبنانيون على طوفان الطرقات بعد كل "شتوة" وانسداد المجاري والأقنية، واجتياح المياه للمنازل والسيارات.
"تعوّد" اللبنانيون على الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة وفساد الدولة وتسليم أقدارهم وأعمارهم وأولادهم وأرزاقهم إلى الرياح التي تجري دائماً عكس ما تشتهي سفن هذا البلد.
"تعوّد" اللبنانيون على موفد يأتي وآخر يغادر، وعلى نصائحهم وتصريحاتهم ومواعظهم كأولياء أمورنا لا كضيوف.
"تعوّد" اللبنانيون على العيش في نصف دولة ونصف وطن ونصف حكومة ونصف مدينة ونصف وزارات ونصف إدارات ونصف مدارس واللائحة تطول.
مرّ عامان، و"تعوّد" اللبنانيون على غياب الرئيس، ينتظرون الفرج من جيب جان إيف لودريان، إذا سمحت هدنة حربية ما في خريطة آموس هوكستين.

البعض يعتبرها نعمة، أن يتمتّع شعب بهذه القدرة على التأقلم مع أسوأ ظروف قد تُفرَض عليه. لكنها لن تكون يوماً كذلك، هي نقمة لا بل لعنة.
لعنة على شعب يفشل في تحديد مصيره في أبسط المواقف. يفشل في انتخاب بلدية تماماً كما يفشل في اختيار الحرب أو السلم.
فالبلد نفسه الذي يفشل بانتخاب رئيس لجمهوريته، ينبهر بالديمقراطية الأميركية، ويتحمّس للسباق إلى البيت الأبيض، لا بل يربط مصيره على توقيت دونالد ترامب أو كامالا هاريس.

هذه السطور لن تنفع بشيء، عبثية كواقعنا. وأقصى الأمنيات أن نقول: "عقبال البيت الأبيض اللبناني".