غداً يوم الإمتحان الإنتخابي الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية، إما كامالا هاريس أو دونالد ترامب، المرشحان الأكثر حظوظاً للوصول إلى البيت الأبيض.. نتائج الإنتخابات حاسمة للسنوات القادمة ليس فقط للولايات المتحدة، لما قد تحمل من تغيّرات سياسية وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من عدم التعويل الكبير على تحوّل جذري في الدور الأميركي في الشرق الأوسط، الذي يلتزم بثوابت سياسية وإستراتيجية لم يبدلها مدى عقود.
إنتخابات الرئاسة الأميركية "مفصلية" بالنسبة للولايات المتحدة، كما يصفها أستاذ العلاقات الدولية الدكتور خطّار أبو دياب، معيداً ذلك إلى الإنقسام العميق الذي يتكرر منذ العام 2016 بين أميركيتين وبين رؤيتين للعالم. ويؤكد أنها "غير محصورة بالأميركيين لأنه ينظر إلى الرئيس الأميركي على أنه رئيس العالم نظراً لتبوء الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة، وكل هذا يؤشر إلى الإهتمام العالمي بمتابعة الحدث".
وعلى الرغم من أن مستقبل الحروب الحاصلة والسياسة الخارجية وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، أضحيا في صلب عناوين المنافسة بين المرشحين الرئيسين، وسبق وأدت إلى تصدع داخل الحزب الديمقراطي، وبين الحزبين الجمهوري والديمقراطي أيضاً. كما أن الكثيرين ينظرون إليها بترقب لما قد نشهد من متغيرات في القرار والموقف الأميركي، إلا أن أبو دياب يشير إلى أنه "لا يجب أن نتوقع إنقلابات أو تغيرات درامية إذا أتى هذا المرشح أو ذاك، وتحديداً في قضايا الشرق الأوسط".
ويعتبر أن "هناك دولة عميقة في الولايات المتحدة الأميركية، وسياسة خارجية لها ثوابتها كما لدى كل دولة كبرى، وكل دولة لديها سياسات فيها نوع من التواصل والمتابعة، لكن مما لا شك فيه أن الأسلوب والشخص لهم وزن في هذه المعادلة". وعلى الرغم من الفوارق ربما في الأسلوب بين الرئيس الحالي جو بايدن وهاريس، لكن هناك المصلحة العليا الأميركية في المقام الأول، ومن ناحية أخرى حماية إسرائيل في المقام الثاني وكل ما بعد ذلك ليس من الأولويات، وفق أبو دياب.
ومن جانب اخر، يشدد أبو دياب على كلمة الكونغرس الأميركي الحاسمة في إدارة الشؤون الأميركية، علماً أن النظام في الولايات المتحدة نظاماً رئاسياً، "إلا أن الكونغرس له دور كبير، حيث يمكن أن يمارس الفيتو على هذه السياسات"، على حد تعبيره. ويذّكر بتقييد حكم ولاية ترامب في رئاسته السابقة للولايات المتحدة، حيث "كان لنا أكثر من مثل عن عدم وجود حرية الحركة لدى الرئيس في كل المواضيع".
إلى ذلك، الدور الأميركي في الشرق الأوسط متجذر منذ عقود طويلة، ويشير أبو دياب إلى أن من أهم الملاحظات المنهجية أن الولايات المتحدة الأميركية هي مديرة شؤون الشرق الأوسط منذ كسوف الدور الأوروبي في عام 1956 عند الحملة على قناة السويس، أي الحملة الثلاثية الأميركية الفرنسية البريطانية الإسرائيلية، وهذا الدور الأميركي برز حتى ضمن الحرب الباردة وكان له الأولوية وبعدها أصبحت الغلبة نهائية.
أما الآن فـ"الكلمة الأولى والأخيرة تذهب إلى الولايات المتحدة"، كما يشير أبو دياب، "نظراً لذاك الترابط بينها وبين وإسرائيل، إلى حد أن حماية إسرائيل هي ضمن السياسية الداخلية الأميركية أيضاً، ليس فقط الخارجية". وهذا الواقع للدور الأميركي كما يشرح أبو دياب حاصل "رغم إهتمام روسيا وإختراقها في سوريا، ورغم إهتمام الصين بمشروع الحزام والطريق ورغم وجود أوروبا إقتصادياً وفي الجوار الجغرافي".
من ناحية أخرى، يعتبر "أن الولايات المتحدة مسؤولة عن كل الفشل في مسارات السلام منذ العام 1993 إلى اليوم"، مشدداً على أنها "إدارتها للأمور كانت دوماً منحازة لإسرائيل ولم تعمل يوماً بشكل جدي وكما هو مطلوب من أجل تحقيق إنجازات خصوصاً في مجال إحقاق الحق الفلسطيني".
وفي السياق، تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بإعادة السلام والاستقرار إلى الشرق الأوسط "قريباً جداً"، إذا انتُخب رئيساً. وقال أنه سيصلح "المشاكل التي تسببت بها كامالا هاريس وجو بايدن وسيضع حداً للمعاناة والدمار في لبنان. وهنا، يرى أبو دياب أن "بالنسبة لترامب ومشاريعه حول صفقة القرن والإتفاقيات الإبراهيمية، فهو نجح في ترتيب وضع إسرائيل مع دول عربية ولكن هذا كان يمكن أن يحصل من دون دور للولايات المتحدة، لأن الكثير من الدول العربية أخذت تقر بأمر واقع، أن الصراع طال منذ أكثر من سبعة عقود من الزمن، ولكل دولة أيضاً مصالحها وأولوياتها".
وبالمقابل، يعتبر أنه لم ينجح في الموضوع الفلسطيني، و"الأهم الآن أن مسألة الدولة الفلسطينية أصبحت صعبة المنال مع كل التغيرات الجغرافية ووجود المستوطنين والإنفصال بين غزة والضفة الغربية، ولكن يمكن لترامب أن يكون أكثر قدرة على فرض رأيه على بنيامين نتنياهو، خصوصاً أنه غير مضطر لمراعاته وليس بحاجة ليجدد ولايته".
و"هذا فارق كبير بينه وبين هاريس"، كما يقول أبو دياب، بحيث "يمكن أن يكون لها طموحاً إذا كسبت في أن تجدد لنفسها، وهي يمكن أن تكون على عكس ترامب عُرضة للضغوط من قبل اللوبي بشكل أكبر، ومن هنا ليس هناك من ذاك الفارق الهائل الذي سيعدّل من موازين القوى، وبمعنى أو بآخر هامش المناورة عند الإسرائيلي سيبقى كبيراً". ويرى أن "العالم العربي كمن يتعلق بحبال الهواء، يمكن أن يراهن بعض الشيء على تعديل طفيف إذا أتى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض".
وفي سياق متصل، الحيّز الداخلي في تحديد خيارات المقترعين له أثره وكلمته الفاصلة في الانتخابات الجارية، واللافت كذلك الإقتراع العربي والمسلم، ويمكن توصيفه على الطريقة اللبنانية بـ "بيضة القبّان" في بعض الولايات، إذ يوضح أبو دياب، أنه "نظراً لحدة هذا السباق وللتنافسية العالية فيه، هناك ولايات متأرجحة، إذ يمكن لأصوات مكونات أقلية فيها ومنها ما يسمى بالتصويت العربي والمسلم أن يكون حاسماً في ولاية حساسة، مثل ولاية ميشيغان، حيث يحضر الوجود العربي والمسلم في الولايات المتحدة لكي يكون له لأول مرة هذا الوزن"، معتبراً أنه لا يقارن بوزن اللوبي المؤيد لإسرائيل، والموجود عند الجناحين وخاصة عند الحزب الديمقراطي.
وكما أظهر مسار السباق الرئاسي فإن النتائج في بعض الولايات شبه محسومة، فيما أخرى تصويت ناخبيها لا يزال مبعثراً لتُحسم يوم غد بين كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري. أما مرحلة ما بعد الإستحقاق، فيشوبها تحديات لأي شخصية ستسكن البيض الأبيض، فقد يواجه تجديد الحكم الديمقراطي تحديات داخلية متعلقة بالسياسة والحروب الخارجية، إذا إستمر على إعتماد السياسة عينها في الإدارة. وبالمقابل، عدم رغبة ترامب في التورط في الحروب الخارجية، قد يحتاج منه إلى تقديم بعض التنازلات في ظل هيمنة اليمين المسيحي ومن تبقى من حركة المحافظين الجدد. أنما المؤكد أن العالم بأسره أمام مرحلة جديدة تفرضها أولويات السياسة الخارجية الأميركية ومصالحها الاقتصادية.