عندما تشاهد المناطق والأماكن التي إستهدفها العدو الإسرائيلي تتصدّع الذاكرة لهول مشهد الدمار بين الأمس واليوم.. غارات عنيفة على مدن وقرى وأحياء وأبنية سكنية نفذها العدو الأسود، أخفت أي معالم لعمران كان مأهولاً من مواطنين، قضوا تحت الدمار أو أصيبوا بجروح بالغة أو نجوا بإعجوبة.. كذلك، كثيراً ما إستهدفت المسيّرات شققاً سكنية في عمليات محددة هشّمت هندسياً المبنى بأسره. وبين الغارات المتواصلة، يمعن العدو في خرق جدار الصوت لإرهاب المواطنين ونشر الرعب وإثارة الخوف.. وأبعد من ذلك!
وبالإضافة الى التلوث البيئي الذي تحدثه أطنان المتفجرات داخل الصواريخ والقنابل الملقاة على المناطق المستهدفة، فإن عصفها يطال "بنسب" المباني المجاورة.
ويوضح عضو مجلس نقابة المهندسين سابقاً، المهندس فراس أبو ذياب في حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية أن "الانفجارات الناتجة عن الصواريخ والقنابل تؤدي إلى توليد موجات ضغط عالية الشدة، يمكن أن تؤدي إلى أضرار هيكلية خطيرة للمباني المجاورة".
وبالمقابل، يتوقف حجم وتأثير الضرر على عدة عوامل، مرتبطة بـ"نوع المتفجرات المستخدمة، والمسافة من الانفجار، وتوجيه المباني"، وفق أبو ذياب. ويشير إلى أنه "يمكن أن تتسبب الموجة الصدمية الأولية الناتجة عن الانفجار بأضرار هيكلية جسيمة، تشمل التشققات في الجدران والانهيارات الجزئية أو الكلية في المباني المجاورة، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تزيد الآثار الثانوية، التي تشمل الحطام المتطاير والتأثيرات الأرضية، التي تزيد من حجم الأضرار".
وفيما يتعلق بالمسافة الآمنة من موقع الانفجار، فيلفت أبو ذياب إلى أن "هذه المسافة تعتمد على قوة المتفجرات وحالة المباني القريبة". وبالنسبة للمتفجرات التقليدية عموماً، يقول أبو ذياب أن "المسافة غير الآمنة في هذه الحالة تتراوح بين 200 و500 متراً، وذلك حسب حجم الانفجار ونوع المواد المستخدمة في بناء المباني"، فيما "يمكن أن تكون المسافة غير الآمنة أكبر بالنسبة للذخائر الكبيرة، أي عندما تستخدم القنابل الجوية"، على حد تعبيره.
واقع العمران اللبناني ربما لا يمكن أن يواجه كل هذه التحديات، نظراً لعنف الغارات وقوة الذخائر المستخدمة ومدى القدرة الهندسية للأبنية على إمتصاص عصف الإنفجارات، سيما أن الاهتزازات الناتجة عن الانفجارات أو الكوارث الطبيعية في مناطق مختلفة في لبنان، كانت كفيلة بإظهار حجم القنابل الموقوتة بيننا. وبحسب أبو ذياب "نسبة كبيرة من المباني عبارة عن هياكل قديمة، وغالباً ما تفتقر إلى معايير الهندسة الحديثة لمقاومة العصف"، موضحاً أن "العديد من هذه المباني قد تعرضت لدرجات متفاوتة من الأضرار، من التشققات السطحية البسيطة إلى الفشل الهيكلي الكامل، وهناك حاجة إلى تقييم شامل لتوثيق مدى الأضرار".
ولضمان سلامة السكان في المباني المتضررة، نتيجة القرب من منطقة الإنفجار أو إستهداف شقة محددة فيها، عدة إجراءات عاجلة يجب إتخاذها ويعددها أبو ذياب: "أولاً، تقييم هيكلي شامل من قبل فريق هندسي مؤهل إجراء تقييمات دقيقة للمباني المتضررة لتحديد سلامتها الهيكلية والإصلاحات اللازمة. ثانياً، يجب أن تحتوي المباني التي تُعتبر غير آمنة على خطط إخلاء واضحة وترتيبات سكن مؤقتة للسكان، أو ما يعرف ببروتوكولات الإخلاء. وثالثاُ، تدريب الاستجابة الطارئة، إذ يفترض تدريب السكان على إجراءات الطوارئ، بما في ذلك التعرف على علامات الفشل الهيكلي ومعرفة طرق الإخلاء".
ومن ناحية أخرى، يخرق العدو الإسرائيلي يومياً جدار الصوت فوق الأراضي اللبنانية، أو ينفّذ غارات وهمية والتي تدخل في إطار حرب نفسية كسلاح ترهيبي لنشر الذعر في نفوس اللبنانيين. ولكن لا يتوقف الأمر عند هذه الحد، فوفق أبو ذياب يمكن أن يكون لجدار الصوت تأثيرات متنوعة على البناء، وعلى سبيل المثال، يمكن أن يتسبب في كسر النوافذ وتصدع الأسطح الزجاجية، مما يعرض الهياكل الهشة للخطر، مشيراً أيضاً إلى أنه "يمكن أن تؤدي هذه الموجات إلى تأثيرات على أساسات المباني، مما قد يسبب إنزلاقات أو عدم إستقرار، خصوصاً في الهياكل القديمة التي لم تصمم لتحملها".
لم يكتف العدو الإسرائيلي بإعتماد إستراتيجية الإستهداف المدمر والهمجي وأحياناً كثيرة الأرض المحروقة، إذ ترك لنا جروحاً في أبنيتنا، ولا نعلم أين تنزف على ساكنيها إذا لم تحدد وتعالج! وبحسب الظروف المتاحة والآمنة حالياً، لا بد أن تجري الجهات المولجة والمختصة كشفاً أولياً للأبنية المحيطة بمناطق طالتها الصواريخ والقنابل الإسرائيلية، وما زالت مأهولة، لإخلائها درءاً لحصول كارثة إنسانية، وتحديداً الأبنية التي قُصفت فيها شققاً بعينها.