تُسابق أصوات الغارات أيّة تسويّة مُمكنة يُمكن أنْ ترتبط بالإنتخابات الرئاسية الأميركيّة بمعنى أنّ العدوّ الإسرائيلي اليوم لا يأبه لوقف إطلاق النار، بل يُحاول أنْ لا يجعل من الإنتخابات الأميركيّة فرصة للخصم من أجل وضع حدّ لنهاية وحشيّته، ممّا يجعل الأمر غير قابل للتكهّن عن المدى المنظور لنهاية الحرب الدائرة وإحتمال توسعها.
ومن هذا المنطلق، يعتقد الوزير السابق زياد بارود، بأنّنا لا "يُمكن أن "نضرب بالرمل"، فلا أحد يملك مُعطيّات كافيّة لحسم الأمور في هذا الإتجاه أو ذاك، حتى مَن هم في موقع المسؤولية. فأحد الأطراف غير راغب في وضع حدّ لآلة الحرب، ويعتقد أنّ لديه القدرة الكافية للإستمرار في العدوان وتسديد نقاط يعتقد أنها قابلة للتحقيق".
وخلال حديثه مع جريدة "الأنباء" الإلكترونيّة، يرى بارود وفق هذا الواقع أنّ "الموضوع اليوم يتعلق بالميدان، وبالتالي كل ما يُحكى عن مفاوضات يبقى مجرّد حديث بلا معطيّات حاسمة. وهذا ما شهدناه في الأيّام الأخيرة من منسوب التفاؤل الكبير، الذي كان واضحاً أنه غير مُستقرّ وغير مبني على أسُس كافية للذهاب في إتجاه آخر".
وقف إطلاق النار لا يقتصر على الشق العسكري
ويُنبّه إلى أنّ "الحديث اليوم عن وقف إطلاق النار، لا يعني فقط وقف الأعمال العسكرية لأن وقف إطلاق النار لا يقتصر على الشق العسكري، بل له معانٍ سياسيّة ودبلوماسيّة".
ويشرح رأيه هذا بأنّ "أي كلام اليوم عن وقف إطلاق النار يعني أننا دخلنا مرحلة تتضمّن خارطة طريق لما بعد توّقف الأعمال العسكرية. ولذلك لم نشهد حتى الآن وقفًا لإطلاق النار، لأن هذا الموضوع مرتبط بما ستكون عليه الأمور في اليوم التالي، وهو غير واضح إطلاقاً، ولا يوجد إتفاق حول ما سينتج عن وقف إطلاق النار. هل سنذهب نحو تنفيذ القرار الأممي 1701؟ وكيف ذلك؟"، ويسأل "إذا كان التطبيق الفعلي للقرار 1701 هو الحدّ الأقصى الذي يُمكن الوصول إليه، فوفق أيّة ضمانات؟".
لذلك يلفت إلى أنّ "السؤال الفعلي ليس حول الـ1701، الذي يعتقد أن هناك شبه إجماع على ضرورته والقبول به، خاصة في لبنان، بل حول الضمانات لتطبيقه، وهي مطلوبة من الجانبيْن. كيف يُمكن أن نحقق تطبيقاً فعليّاً للضمانات من دون توقف الإعتداءات الإسرائيليّة التي تجاوزت 30 ألف إعتداء وفق تقارير أمين عام الأمم المتحدة؟ في المقابل، يعترف أيضاً أنّ "ثمة خروقات حصلت من الجانب اللبناني ولكنها لم تكن تجاه الداخل الإسرائيلي على مدى 18 عاماً من نفاذ القرار 1701، وبالتالي كانت العمليّة محصورة، ولا يُمكن المقارنة بين الإنتهاكات بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي".
ويُجدّد السؤال حول "الضمانات لتطبيق القرار"، متوقعاً أنْ "تأتي الإجابات من الجانب الأميركي ومن الأوروبيين"، ومتوقعاً أنه "سيكون هناك، دون أدنى شك، ورغم ما تعرّضت له اليونيفيل، دور أساسي لها". لكنه يؤكّد أنّ "الدور الأبرز هو للجيش اللبناني، وكل ما يُرسم من ضمانات يعتمد أساساً على تعزيز دور الجيش، ليس فقط بالعدد والعتاد، بل أيضًا بالقرار السياسي وبإطلاق يد الجيش في المرحلة القادمة".
الجيش قارد ومستعدّ
ويجزم بأنّ "الجيش قادر ومستعدّ، ولكنه بحاجة إلى غطاء سياسي، أي إلى قرار سياسي غير مُلتبس في إتجاه بسط سيادة الدولة الحامية بذاتها لمواطنيها وحماية وإحتضان كل المكوّنات اللبنانية دون إستثناء ودون عزل ودون تخوين ودون أيّ شكل من أشكال الإستثمار الداخلي في العدوان، من أيّ طرف أتى مع أو ضد. مصلحة لبنان واللبنانيين يجب أنْ تكون خطاً أحمر".
لذا، يؤكّد أنّنا "نحن بحاجة على الصعيد الداخلي لإعطاء الجيش هذا الدور، ومن الخارج لتقديم الدعم اللازم له، لا سيّما من الولايات المتحدة الأميركية والأوروبيين والدول العربيّة التي يُمكنها دعم الجيش، والخليج تحديدا. هذا أمر مطلوب، فهو يعبر عن سيادة الدولة اللبنانية على كافة أراضيها، ومن خلاله يمكن تطبيق القرار 1701 كما يجب. لذلك، أي كلام عن وقف إطلاق النار من دون النظر في هذه الضمانات هو "في غير مكانه".
لا مدى جغرافي وزمني للحرب
ويأسف لأنه لا "يوجد مدى جغرافي أو زمني واضح. فالعمليّات العدوانيّة لا تعرف حدوداً جغرافية، كما أنّ كميّة الدمار ليست مجرّد عمليات عسكرية، بل تعكس شيئاً آخر". ويُعبّر عن "عدم فهمه لحجم التدمير الذي طال قرى ومدناً بأكملها، وكأن المطلوب هو إزالتها من الخريطة، كما يحصل في بعض قرى البقاع والجنوب". ويُسلم بأن الرهان عند البعض هو لما بعد الإنتخابات الأميركية"، لكنه لا يشارك في "هذا الرهان، لأن تأثير الإنتخابات محدود".
ويُوضح في هذا الإطار، بأنّ "الموقف الأميركي من إسرائيل هو إستراتيجي ومستمرّ، ولا يتغيّر مع تغيير الرؤساء، ما قد يتغيّر هو أسلوب التعاطي، لكن المضمون سيبقى ذاته. لذلك، الرهان "في غير مكانه" وليس واقعياً".
امّا المطلوب برأيه، فهو "ضغط أكبر لتجنب حرب إقليميّة، فالترابط بين المدى الزمني والجغرافي هو ما سيؤدّي إلى إتساع رقعة الحرب". رابطاً هذا الأمر بحال لم "تكن توجد رغبة في حرب إقليميّة، فليس فقط إيران من سيتورط بل العراق وسوريا والأردن وصولًا إلى اليم".
تجنب حرب إقليميّة
ويرى أنّ كل "الجهود اليوم تُركّز على "دوزنة الأمور" لتجنب حرب إقليمية. غير مُستبعد مسعى من الجانب الأميركي والإيراني من أجل تجنب الحرب، وفي حال حصل ذلك"، فإنّه يتوّقع أن "نصل إلى تسوية"، لكنه يأمل أنْ "تكون هذه التسوية إيجابية، وأن تُوضح المسار الذي ستتجّه إليه المنطقة".
ويؤكّد على "وجود دور للدولة اللبنانيّة، لكن ليس هو الدور المركزي أو الأساسي، وإنْ كان الرجاء بأن تكون الدولة اللبنانية هي مَن يُقرّر في هذا الموضوع، لكن للأسف دورها هنا متواضع مقارنةً بمركز القرار".
لكنّه يعتبر الوزير بارود في ختام حديثه، أنّه "رغم ذلك فإنّ أيّ تسويّة في المرحلة المُقبلة تتطلب دوراً أكبر للحكومة اللبنانية، بمعنى أنْ تبسط سلطتها على كامل أراضيها، مع دور مركزي وفاعل للجيش اللبناني".