دخلت الانتخابات الأميركية مرحلة العد التنازلي أو ما يسمى "أسبوع الاندفاع" أو التحفيز حيث يتم التركيز على الناخبين المترددين لجذبهم الى تأييد هذا المرشح أو ذاك، بعد أن افرغ كل مرشح ما في جعبته من برامج وخطط واستراتيجيات، وأغدق الطرفين على ناخبيهم الكثير من الوعود، إلا أن المتابع لتصريحات ترامب وهاريس خلال حملاتهم الانتخابية يدرك أن السياسة الخارجية الأميركية المستقبلية تجاه الصين تعاني بعضاَ من عدم اليقين، فالمرشح الجمهوري أعلن أنه سيواصل فرض الرسوم الجمركية على البضائع الصين بعد توليه السلطة، أما المرشحة الديموقراطية، فمن المرجح اعتمادها الاستمرار في سياسة إدارة الرئيس بايدن البرغماتية.
لذلك ترى الإعلامية والباحثة في منتدى المؤسسات الفكرية لدول الجنوب "أنّا مالندوغ" في حديث مع جريدة "الأنباء" الالكترونية أن تشكيل "العلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين يعتمد على توازن القوى بين الديمقراطيين والجمهوريين بعد الانتخابات، حيث يتقاسم كلا الحزبين المخاوف بشأن الصين، وخاصة فيما يتعلق بالتجارة والتكنولوجيا والنفوذ السياسي والدبلوماسي المتزايد للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك تقدمها العسكري وتحديثها الذي ينمو يوما بعد يوم. ومع ذلك، يفضل الجمهوريون عموما موقفا أكثر صرامة، مما قد يزيد من الضغوط على تدابير التجارة والأمن إذا اكتسبوا المزيد من السيطرة في الكونجرس. وقد يترجم هذا إلى تدقيق متزايد للاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، وقيود التصدير على التقنيات الحيوية، وزيادة الدعم للحلفاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مثل تايوان والفلبين".
وترى "مالدونغ" إن تأثير الانتخابات على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين سوف يتوقف في نهاية المطاف على "كيفية تأثير التحولات في الكونجرس على السياسات وكيف تتوافق هذه التغييرات مع إدارة من سيخلف الرئيس بايدن"، وتضيف قائلة "من المرجح أن تراقب الصين هذه التطورات عن كثب، وتستعد للتصعيد المحتمل وتستكشف فرص المشاركة في القضايا ذات المنفعة المتبادلة، مثل العمل المناخي أو الصحة العامة".
أما مخرجة الأفلام الوثائقية في تلفزيون - سي جي تي أن عربية - "ليو يان جيون"، ترى أن "اهتمام الصينيين بالانتخابات الأمريكية يتركز على من سيفوز بين الجمهوري ترامب والديمقراطية هارس، وأي منهما سيكون أكثر فائدة للصين؟ وإن الإجابة على هذا السؤال مثيرة للجدل، حيث يحتفظ كل طرف برأيه الخاص ويستطيع بناء سلسلة منطقية لدعمه".
وتقول في اتصال مع "الأنباء"، أن "من سيتولى الحكم سيواصل اعتبار احتواء الصين أحد أهم أولويات السياسة الخارجية، إن لم يكن الأهم على الإطلاق، لذلك فإن الأمر يتوقف على الأسلوب الشخصي لعمل الرئيس المنتخب، حيث لا تزال شعارات "هيمنة أميركا" و"أميركا أولاً" متأصلة في شعور "التفوق" لديهم. لكن الصينيين يعرفون تمامًا أنه "لا توجد صراعات جوهرية في المصالح بين الصين والولايات المتحدة، وإن التبادلات الاقتصادية والثقافية بين الصين والولايات المتحدة تكمل كل منهما الأخرى بشكل كبير وتعود بالنفع على كلا الطرفين.
وتوضح قائلة أنه "بعد اندلاع الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة في عام 2018، دخل الجانبان في منافسة شاملة في مجالات السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا والأيديولوجيا، مما أدى إلى تدهور العلاقات الصينية الأميركية. وفي آب 2022، زارت رئيسة مجلس النواب الأميركي آنذاك نانسي بيلوسي تايوان، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة وظهور انهيار شامل.
لكن العلاقات الصينية الأميركية تبقى أساس السلام والاستقرار في العالم، ولا يمكن لأي من الطرفين قطع التواصل مع الأخر، فالمنافسة بين واشنطن وبكين لا تعني عدم وجود تعاون بين الجانبين، ولا تعني أن العلاقات الثنائية لا تحتمل أي تهدئة، وإن إستمرار العلاقات الصينية الأميركية تكمن في الحاجة المتبادلة بين الطرفين. يبقى أن التحدي الأكبر لاستقرار هذه العلاقة يرتبط بمدى التزام واشنطن بمبدأ الصين الواحدة تجاه ما يعرف بـ "أزمة تايوان" وعدم الخروج عن مضمون البيانات المشتركة الثلاثة بين الصين والولايات المتحدة، حيث إن البيت الأبيض يفتقر إلى سياسة موحدة ومستقرة تجاه الصين، والمنافسة بين الصين والولايات المتحدة هي في الواقع منافسة بين حيوية الأمم. والقوة الذاتية فقط هي التي ستساعد في تشكيل نظام عالمي جديد وتؤدي إلى بناء علاقات أكثر استقرارًا بين الصين والولايات المتحدة."
لا يميل الكثير من الصينيين الى التنبؤ بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، فيبادر الكثير منهم للقول: "هذا شأن داخلي أميركي"، وغالبية الصينيين لا يعيرون اهتماما كبيرا لنتائج استطلاعات الرأي، فالباحثة "أنّا مالدونغ" ترى "أن استطلاعات الرأي ليست سوى لقطة من المشاعر الحالية، وكما أظهرت انتخابات عام 2020، فإن استطلاعات الرأي ليست دائمًا مؤشرات دقيقة، خاصة بالنظر إلى التركيبة السكانية المتغيرة وديناميكيات الإقبال على التصويت، فقد أظهرت الاتجاهات الأخيرة تقدم الجمهوريين أو قدرتهم التنافسية في العديد من الولايات والمناطق المتأرجحة".
يتطابق رأي مخرجة الأفلام الوثائقية "ليو يان جيون" مع رأي الباحثة "أنا مالدونغ" بعدم القدرة على تنبؤ نتائج الانتخابات ولا تعير الاهتمام لاستطلاعات الرأي الأميركية، وترى أنه مع سهولة الوصول الى المعلومات عبر الإنترنت، أصبح الجمهور الصيني فهمًا ومعرفة للواقع الحقيقي للنظام السياسي الأميركي. وتحولت آراء الكثير لا بل غالبية الصينيين من الإعجاب بنظام الانتخابات الأميركية، إلى رؤيتهم للانقسامات المتزايدة والصراعات السياسية، حيث بدأ الكثير منهم يشكك في شفافية النظام الديمقراطي الأمريكي. وقد ساهم الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز هذا التحول في الموقف.
حيث تحظى ردود الفعل حول ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية بمتابعة تفوق بكثير متابعة هارس، مما يعكس تحول نظرة الجمهور الصيني تجاه السياسة الأميركية إلى موقف ترفيهي. تعلو المناقشات المثيرة للجدل حول ترامب في "ويبو"، مما يجعل العديد من الصينيين لا يرون الانتخابات الأميركية كحدث سياسي جاد، بل أكثر كعرض ترفيهي".
يأمل بعض الناس في الصين فوز كاملا هارس، "لأن هؤلاء الأشخاص مستثمرون في الأسهم، وهم يشعرون بالقلق من أن سياسات ترامب للتعريفات والعقوبات على الصين ستتسبب في خسارة كبيرة في سوق الأسهم الصينية"، لكن بعض الآخر ولعلهم الأكثر في الصين يرغبون فوز ترامب، لأنهم يعتقدون أنه يركز بشكل أساسي على القضايا الداخلية للولايات المتحدة ولن يزعج الصين كثيرًا.
وبغض النظر عن النتيجة النهائية، يعتقد العديد من الخبراء الصينيين أن أي من السياستين لن يكون لها تأثير كبير على الصين، لأن النمو الاقتصادي الصيني يرتكز على قوة دفع داخلية قوية، وكلما كانت البيئة الخارجية أكثر تحديًا، كلما تحول هذا الضغط إلى قوة دافعة، واعتماد على الذات.
لقد أصبح صعود الصين أمراَ لا يمكن وقفه، وينبغي على الولايات المتحدة أن تدرك الواقع وأن تتخلى عن فكرة قمع واحتواء الصين، وأن تتعامل مع بكين بطريقة عقلانية وعملية.