Advertise here

لا تتلاعبوا بالتوازنات السياسية!

14 آب 2019 08:58:21 - آخر تحديث: 14 آب 2019 08:58:22

لم يتعاطَ الحزب "التقدمي الإشتراكي" مع لقاء المصالحة والمصارحة في بعبدا من منطق الربح والخسارة، بل على العكس، كانت توجيهات رئيسه وليد جنبلاط بعد دقائق من خروجه من قصر بعبدا إلى الحلقة القريبة منه ضرورة عدم مقاربة هذا اللقاء ونتائجه من هذه الزاوية، وابعاد التحليلات السياسية عن هذا الاتجاه.

الأهم بالنسبة إلى جنبلاط في هذه اللحظات السياسية الحساسة هو حماية الاستقرار والسلم الاهلي وهو الذي بذل في سبيله الكثير من رصيده السياسي والشعبي في العديد من المحطات المتتالية لأنه اعتبر أن أي أثمان تسدد في سبيل الحفاظ على السلم تبقى أقل كلفة من العودة إلى الحرب بكل ما تعنيه من دمار وتخريب وخسائر على مختلف المستويات، لا بل هو حرص على التذكير دوماً، وبأسف شديد وجرأة كبيرة، أن اللبنانيين كانوا أدوات في تلك الحرب مستعيراً  مقولة الصحافي الكبير الراحل  غسان تويني: "حرب الآخرين على أرضنا".

ولكن، بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، ثمة مقاربة أخرى لا تقل أهمية وهي ضرورة إدراك الأطراف السياسية الأخرى أن معيار الاستقرار والسلم الأهلي هو الحفاظ على التوازنات والابتعاد عن سياسات الاقصاء والتهميش وهي التي مورست ضد جنبلاط وحزبه منذ مرحلة ما قبل الإعداد لقانون الانتخاب الهجين الذي صيغ على قياس مرشح معين لضمان فوزه بعد محاولات فاشلة وعديدة.

إتفاق الطائف الذي يفاخر البعض اليوم أنه يقوم بتعديله "بالممارسة" تطلب الوصول إليه تضحيات كبيرة، وولد في لحظة تقاطع إقليمي ودولي اتاح للبنان إسكات المدفع والدخول إلى مرحلة السلم، ورسم توازنات ومعادلات دقيقة، يشكل التلاعب بها مغامرة خطيرة غير محسوبة النتائج؛ لا سيما أن التوافق وعدم القدرة على التفاهم على تعيين حاجب هو صعب للغاية، فكم بالحري صياغة "عقد اجتماعي" جديد! 

إذا كان ثمة رغبة حقيقية لدى القوى التي لطالما  توجست من اتفاق الطائف، بالتقاطع مع قوى أخرى لها اجنداتها المعروفة، للاطاحة بهذا الاتفاق، فليعلن ذلك مباشرة ومن دون مواربة، وعندئذٍ لكل حادث حديث. 

أما القفز فوق المؤسسات، تارة بتدجين القضاء وتارة أخرى بسوء تفسير مواد الدستور، وطوراً بالتعدي على صلاحيات رئيس الحكومة؛ فهو ما يعد تلاعباً خطيراً بمسار الأحداث وتطورها. 

الفوز هو فوز للبنان كله باستعادة توازن مفقود، وبإعادة الاعتبار لمنطق المؤسسات والدستور، بعيداً من تكرار التجارب المجربة مع ما تحمله من إشكاليات وتحديات ومخاطر.