لطالما عانى لبنان منذ سنوات من أزمات متداخلة تُضاف إلى بعضها البعض، مما يخلق مشهداً معقداً تتداخل فيه العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية. في هذا السياق، برزت أزمة النفايات كواحدة من القضايا الأكثر حدةً، خاصة وسط الاكتظاظ الكبير الذي باتت تشهده مناطق عدّة خاصة في بيروت وجبل لبنان جرّاء نزوح أكثر من مليون مواطن لهذه المناطق.
وإثر هذا الاكتظاظ تحوّلت مكبات النفايات إلى مكبّات عشوائية، وامتلأت الطاقات الاستيعابية للمستوعبات وشاحنات نقل النفايات، مما أجبر البلديات والسلطات المحلية على حلول آنية، مما فاقم من حجم النفايات اليومية إلى مستويات غير مسبوقة، خاصة وأن البلديات مأزومة اليوم بالضغط الكبير من ملف النازحين، مما يهدد بتحوّل العاصمة ومحيطها إلى بؤر ملوثة.
وفي حديث لجريدة الأنباء الإلكترونية قال رئيس لجنة البيئة النيابية النائب غياث يزبك أن "السلطة التنفيذية ووزارة البيئة من مهمتها الإشراف على هذا الملف بالتعاون مع البلديات، إنما المشكلة التي برزت اليوم لا يمكن حلّها بسهولة فقد أُضيفت إلى مشكلة أساسية نعاني منها منذ فترة، وهي ناجمة عن امتلاء كافة المكبات، خاصة في منطقة جبل لبنان، التي تحوّلت إلى مكبّات عشوائية. فعلى سبيل المثال، أصبح مطمر برج حمود اليوم مكباً للنفايات، حيث تُلقى فيه النفايات بشكل عشوائي بدون عملية تنظيم أو فرز من المصدر. حتى معامل الفرز توقفت بعد تفجير الرابع من آب، مما زاد من تفاقم الأزمة، خصوصاً في بيروت التي تضاعف عدد سكانها نتيجة النزوح، وهي لا تملك مكبات خاصة بها، بل ترسل نفاياتها إلى منطقتي برج حمود والكوستابرافا".
والجدير بالذكر هنا أن مكب الكوستابرافا كان قد بلغ طاقته الاستيعابية القصوى منذ سنة ونصف تقريبا، وجرى العمل على إيجاد مساحة إضافية مؤقتة لاستيعاب النفايات على أمل تطبيق الخطة العامة لإدارة النفايات وضعتها وزارة البيئة ?نذاك، لكن بطبيعة الحال هذه الخطة لا تزال غير مطبّقة.
إضافة إلى ذلك، يعتبر يزبك أن زيادة الضغط نتيجة توزّع 80% من مليون وأربعمائة ألف نازح، في منطقة العاصمة وجبل لبنان، وهي مناطق تعاني أصلاً من أزمات متفاقمة، مشيراً إلى أن "النقص في آليات رفع النفايات يعزّز الأزمة، خاصة وأن الشركات تعاني من أزمات مالية نتيجة تراكم الديون وعدم سداد الدولة لمستحقاتها، ما يجعلنا ندور في دوامة من الأزمات التي يستحيل حلها بدون وجود تطبيق علمي وعملي لمعالجة أزمة النفايات في لبنان"، محذّرا أننا سنكون أمام خطر تحول العاصمة وضواحيها وسواحل جبل لبنان إلى أنهار من النفايات مع بداية موسم الشتاء.
"المسألة معقدة"، يعتبر يزبك ويعزي ذلك لأسباب عدّة أهمها أن "الأزمة الحالية تعود لعدة سنوات سابقة، إذ أن بناء الدولة لا يتوقف فقط على الجيش وحمل السلاح، بل يشمل إعادة بناء المؤسسات ووضع خطة علمية ومستدامة تأخذ في الحسبان التزايد السكاني وتضع استراتيجية وطنية توعوية تبدأ من المدارس والمنازل للتعامل مع أزمة النفايات".
لطالما غطت أزمة على أزمة في لبنان، فعند بروز مشكلة تظهر مشكلة أخرى، "وهذا أدى إلى تحويل كيان الدولة إلى جسم هش ومليء بالتعقيدات، إذا لم تتخذ الدولة إجراءات حازمة وتمتنع عن الصراعات الداخلية والخارجية، فسنحتاج لسنوات طويلة لفكفكة هذه الأزمات تدريجياً" بحسب يزبك، الذي يضيف أننا كنا نطالب بمبلغ للمساعدات من الدول المانحة بعد اقتراح إصلاح معمل فرز النفايات في منطقة الدورة وتشغيل معامل إعادة التدوير، لكنها حلول جزئية أمام مكبات عشوائية وحرق غير منظم للنفايات عبر مساحة لبنان بأكملها، اليوم، نعاني من انتشار ما يزيد عن 1300 نقطة حرق نفايات يومية، مما يشكل خطراً على الصحة العامة، وكافة المساعدات بهذا الشأن اليوم متوقّفة نظرا للظرف الحالي، فلا أولوية ولا ميزانية لهذا الملف!
وعن الحرائق المنتشرة يؤكّد يزبك أن هذه "جرائم موصوفة يرتكبها تجار الأزمات، وهذه الحرائق ليست أزمة طبيعية وهذا ما تم كشفه في عدد كبير من الحرائق التي حصلت".
أخيراً، بين الاستمرار في تجاهل الأزمة البيئية الكبرى أو اتخاذ إجراءات جذرية وسريعة للحد من خطر النفايات المتزايدة، لا خطة متكاملة ولا ميزانية ولا حتّى التفاتة لهذا الملف، فكيف سيبدو المظهر في الشتاء الذي بات قريباً وكيف سيكون الحل!