في ظل التطورات المالية والأمنية المتسارعة، يأتي إدراج لبنان على القائمة الرمادية من قبل فرقة العمل المعنية بمكافحة الجرائم المالية (FATF) كجرس إنذار للسلطات اللبنانية والقطاعات الاقتصادية كافة. إذ إنه بلا شك هناك عوامل كثيرة دفعت لوضع لبنان على القائمة
رغم اعتبار البعض أن ما ساهم ايضاً بهذا الإدراج، هي الضغوط التي مارستها إسرائيل وعواصم غربية لضم لبنان إلى تلك القائمة، بحجة قصور الاجراءات التي تتبعها الحكومة اللبنانية في مكافحة تمويل الارهاب وغسل الأموال.
ما هي القائمة الرمادية لمجموعة FATF؟
تضم القائمة الرمادية الدول أو السلطات القضائية التي ترى مجموعة العمل المالي أن لديها أوجه قصور في نظم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وعندما تُدرج دولة في هذه القائمة، تخضع لرقابة مكثفة وتقييمات دورية إضافية.
أسباب إدراج الدول في القائمة الرمادية:
1. عدم وجود تشريعات كافية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
2. عدم كفاية إجراءات العناية الواجبة الخاصة بالعملاء (CDD).
3. قصور في وحدات الاستخبارات المالية، وانعدام الشفافية
4. ضعف الأطر التنظيمية وآليات الإشراف اللازمة.
وفي حديث مع الدكتور جهاد الحكيّم، أستاذ الاقتصاد والأسواق المالية العالمية، رأى في حديث لجريدة الأنباء الالكترونية أن الأسباب المباشرة لوضع لبنان على اللائحة الرماديّة يأتي نتيجةً للقصور والخلل الوارد في النظام المالي، وخاصةً في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ويضيف الحكيّم أن هذا الإجراء يعتبر "تهديدا خطيرا للاقتصاد اللبناني" إذ أنه لا يعكس فقط ثغرات في تطبيق القوانين والشفافية، بل يُهدد استقرار الاقتصاد اللبناني خاصّةً في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرّة، حيث من المتوقع أن يزيد من عزل القطاع المالي اللبناني ويعقد وصوله إلى الأسواق العالمية، "كما أنه قد يؤدي إلى زيادة التكلفة على المعاملات المالية وصعوبة أكثر في التحويلات المصرفية، مما ينعكس سلباً على الاقتصاد المتدهور بالفعل".
كيف نخرج من القائمة؟
وفي السياق ذاته، وبالرغم من أن المصرف المركزي كان قد حاول إرساء معايير الشفافية النقدية والمالية مع المصارف، إلا أنه من الضروري إتخاذ خطوات سريعة للخروج من القائمة الرمادية بأقل ضرر ممكن، وبحسب الحكيّم فإن هذه الخطوات تتمثّل أولا "بعزيز تطبيق القوانين من خلال تفعيل القوانين المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتطبيقها بشكل صارم، تحسين الشفافية والرقابة، التعاون مع المنظمات الدولية بشكل وثيق مع المنظمات المالية الدولية، مثل FATF، لتطبيق توصياتها والعمل على تحقيق المتطلبات التنظيمية، تحسين كفاءة المؤسسات المالية وزيادة قدرة الرقابة على الأنشطة المالية المشبوهة، العمل على استعادة ثقة المودعين من خلال معاقبة من سرق الودائع وإيجاد حل عادل للأزمة المصرفية، وختاما والأهم محاسبة المسؤولين عن الانهيار المصرفي والمالي من أصحاب المنظومة وحاشيتهم وأزلامهم وذلك يشمل اقتصاديو البلاط".
ختاماً، إن إدراج لبنان على القائمة الرمادية لمكافحة الجرائم المالية يجب أن يُنظر إليه كفرصة للتحرك نحو إصلاحات جذرية، فالخروج من هذه الأزمة لن يتحقق فقط عبر تفعيل الإجراءات المالية، بل بتبني رؤية شاملة تتضمن إصلاحات مؤسسية وهيكلية طويلة الأمد. وهذا يتطلب التزاماً حقيقياً من السلطات اللبنانية والمؤسسات الاقتصادية لتحقيق التغيير المنشود، بما يفتح آفاقاً جديدة نحو استقرار اقتصادي مستدام واندماج مالي دولي أكبر، فهل تنتهز الدولة اللبنانيّة هذه الفرصة؟