شكلت مجزرة حاصبيا، أمس، الرد الأول من حيث الإجرام والتوقيت، على كل مساعي التهدئة على الجبهة الجنوبية وما قيل عن ايجابيات تمخضت وراء الكواليس وعن جدية اميركية قبيل الانتخابات الداخلية في الخامس من الشهر المقبل، بعد اقل من 24 ساعة على انتهاء مؤتمر باريس الذي اقتصر على الجانب الانساني من دون مفاعيل سياسية وسط شبه غياب اميركي دلّ عليه التمثيل المتدني في المؤتمر.
فكل المؤشرات تدل على ان لا حل قريبا للكارثة في المنطقة رغم التحضيرات للعودة إلى المفاوضات حول غزة بعد جولة وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن في محاولة اخيرة لتحقيق خرق يساعد الديموقراطيين قبيل الاستحقاق الانتخابي.
ومهما قيل عن خرق في المفاوضات لا يبدو أن هذا الحديث واقعي حتى هذه اللحظة وسط غموض كبير في مفهوم اليوم التالي للحرب وماهية الحكم الذي سيتمخض عن تلك الحرب. فرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو ومن معه يرفضون اي دور للسلطة الفلسطينية ويريدون ادارة صورية بإشراف اسرائيلي غير مباشر، ما يعيق الدور العربي المأمول الذي ينطلق في غزة من السلطة نفسها بعد استيعاب حركة “حماس” فيها واندماجها في اطار “منظمة التحرير الفلسطينية” وهو ما لا تعارضه الحركة لكنها تتجنب خوضه في التفاصيل ليستقر في اطار ورقة قوية من ضمن اوراقها للتفاوض، إلى جانب مقاومتها وصمود الشعب الفلسطيني في وجه العدوان وهذا الأساس.
لكن الوضع في غزة لا يشابه نظيره في الضفة الغربية. ويشير مصدر فلسطيني إلى تفاهم تم مع الاميركيين لتحييدها بعد فترة من الإشتعال اثمرت تهدئة قبل ايام مرشحة للاستمرار حاليا ولو في شكل نسبي، ما يعني فصلا بين الضفة وغزة يلتقط اهل الضفة انفاسهم فيه.. هو تفاهم بين رام الله وواشنطن بقبول من فصائل المقاومة التي تعتبره هدنة مع إسرائيل.
وفي الوقت الذي عادت فيه الاهتمامات إلى غزة بعد التصعيد الاسرائيلي الاخير والمجازر المتجددة، تبقى الانظار نحو لبنان حيث تجري الجهود لتحييده كانت سمتها الأهم والتي يجب على الجميع التوقف عندها وأولهم الاسرائيلي، حفظ قوات “اليونيفيل” وصمودها وتمسكها بمهامها.
هنا ايضا لا ايجابية في الأفق، ولعل الخرق الحقيقي تحقق في طبيعة مسعى المبعوث الدولي آموس هوكشتاين.
وخارج كل ما قيل عن شروط فوقية وتعجيزية ابلغها الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، فإن التركيز الاميركي يبقى على تنفيذ القرار 1701 على ان يتم ضمان تطبيقه، وهنا تدور المفاوضات حول الآلية، مع صعوبة صدور قرار دولي جديد لن يكون محط اجماع أممي وفي مجلس الأمن حيث ينتظر الفيتو الروسي او الصيني..
وبما ان “حزب الله” ولبنان لن يقبلا بقوات متعددة الجنسيات تشرف بالنيابة عن الاسرائيليين على تنفيذ القرار، سيكون الدور على قوات حفظ السلام الحالية، لكن ايضا على القوات المسلحة اللبنانية اي الجيش اللبناني.
يتوقف المتابعون عند المبلغ المالي الكبير الذي رصد للجيش في مؤتمر باريس البالغ 200 مليون دولار من ضمن مليار فاق التوقعات حسب كثيرين، ما يعني ان المجتمع الدولي ما زال يولي اهمية كبيرة للبنان ويريد فصل مصيره عن غزة التي يقف هذا المجتمع نفسه عاجزا امام العدوان عليها.
وهنا سيكون للجيش دورا هاما في مرحلة ما بعد الحرب والاعمار سواء في الداخل اللبناني او في الجنوب حيث سيزيد عديده من 8 آلاف عنصر وضابط إلى نحو 15 ألفا لكن في آلية تدرجية مع تطويع 1500 كمرحلة اولى من ضمن 6 آلاف في مراحل لاحقة..
على ان العامل الاهم يبقى في الميدان وفي اقلاق الاسرائيليين انفسهم وشعورهم بالخطر عبر الضربات في الشمال والعمق، وبالترافق مع ذلك يأتي العامل الدولي، الاميركي تحديدا، للضغط على حكومة نتنياهو. واذا كان هذا الامر متاحا الا انه ايضا لن يكون قصير الامد وسيعني مرحلة من عض الاصابع حتى يصرخ الاسرائيلي.
كما يربط المتابعون العلاقة المتذبذبة بين اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية بطبيعة الرد الاسرائيلي على طهران الذي يريد نتنياهو جر واشنطن إليه.
والجميع ينتظر الانتخابات الاميركية في الخامس من تشرين الثاني المقبل. فإذا وصل المرشح الجمهوري دونالد ترامب فسيراهن نتنياهو على جره الى معركة هجومية مع ايران. اما اذا وصلت الديموقراطية كامالا هاريس فسيكون الامر اكثر صعوبة على نتنياهو الذي سيكتفي بدور اميركي دفاعي وحمائي للدولة العبرية.
الخلاصة اليوم هي ان الامور طويلة وما زالت مترابطة بين لبنان وفلسطين، حتى مرحلة جديدة يتمظهر فيها اي فصل في الجبهات لا يريد “حزب الله” والايرانيون وضعه من الآن على الطاولة، في الوقت الذي سيظهر فيه الوهم الاسرائيلي يوما حول محاولة استثمار هذا الربط لإطلاق سراح الرهائن من قبضة “حماس” في غزة!