قصف المدينة الصناعية في مرج حاروف... كارثة بيئية قد تنتج منها عواقب وخيمة!

24 تشرين الأول 2024 08:10:04

في تصعيد خطر للأحداث، تعرضت المنطقة الصناعية في مرج حاروف مساء الثلاثاء لقصف «إسرائيلي» أدى إلى دمار واسع النطاق، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل أيضاً على المستوى البيئي. تسبب القصف باندلاع حرائق هائلة في عشرات المحال والمستودعات التي تحتوي على مواد خطرة، مثل الزيوت، دواليب السيارات، والمواد الصناعية. ونتج من ذلك انتشار كثيف للأدخنة السامة في الهواء، مما أدى إلى خلق كارثة بيئية تهدد صحة الإنسان والحياة الطبيعية في المنطقة.

 

المواد المحترقة وتأثيرها البيئي

تعتبر المنطقة الصناعية في مرج حاروف من المناطق الحيوية، التي تحتوي على مجموعة كبيرة من الأنشطة التجارية والصناعية. المستودعات التي تعرضت للقصف تضم مواد قابلة للاشتعال بدرجة كبيرة، مثل الزيوت الصناعية وقطع غيار السيارات. احتراق هذه المواد يؤدي إلى إطلاق ملوثات سامة وخطرة في الهواء، مثل الديوكسينات والفوران والمواد الهيدروكربونية. وهذه المركبات تعتبر من أخطر المواد الملوثة التي تؤثر سلباً في صحة الإنسان والبيئة.

وهنا، كشف الخبير البيئي البروفيسور ضومط كامل لـ «الديار»، أن الدخان الناتج من احتراق الزيوت والمواد الصناعية يحتوي على جزيئات دقيقة محملة بالسموم، والتي عندما تستنشق، قد تتسبب بأمراض تنفسية مزمنة مثل الربو وأمراض الرئة. بالإضافة إلى ذلك، تعرض الحياة البرية والبحرية لمخاطر التلوث، حيث يمكن أن تتسرب المواد الكيميائية الناتجة من الحرائق إلى التربة والمياه الجوفية، مما يؤثر في جودة المياه ويهدد النظم البيئية المحلية.


وتابع : أدى القصف إلى انبعاث كميات هائلة من الدخان الأسود الكثيف الذي غطى المنطقة بالكامل، مما أدى إلى انخفاض جودة الهواء بشكل خطر وتحويلها إلى منطقة ملوثة بشدة. هذا الدخان الناتج من احتراق المواد الصناعية مثل الزيوت والإطارات وقطع الغيار، يحتوي على مجموعة من الملوثات السامة التي لها تأثيرات خطرة في البيئة وصحة الإنسان. يُعد هذا النوع من التلوث الجوي مصدر قلق كبير، لأن الجسيمات الدقيقة التي ينتجها الحريق لا تبقى محصورة في موقع الانفجار، بل تنتشر لمسافات بعيدة بفعل الرياح، مما يعرض مناطق واسعة لمخاطر صحية حتى بعد انتهاء الحريق.

واشار الى ان استنشاق الجسيمات الدقيقة والسامة يتسبب بمشكلات صحية جسيمة للسكان المحليين والمناطق المحيطة. هذه الجسيمات يمكن أن تخترق الجهاز التنفسي بعمق، مما يؤدي إلى أمراض تنفسية مزمنة مثل الربو، التهاب الشعب الهوائية، وتفاقم الأمراض القلبية. وبالإضافة إلى ذلك، قد يكون هناك تأثيرات طويلة المدى مثل زيادة احتمالات الإصابة بالسرطان نتيجة للتعرض المستمر للمركبات العضوية المتطايرة (VOCs) والديوكسينات، والتي تعتبر من أخطر الملوثات.

اضاف: هذا ولا تقتصر أضرار التلوث الناجم عن القصف على التأثيرات الصحية المباشرة، بل يمتد التأثير ليشمل المناخ بشكل أوسع. فحرق المواد الصناعية يطلق كميات كبيرة من الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2) والميثان (CH4)، وهما غازان رئيسيان يسهمان في تفاقم الاحتباس الحراري. يؤدي ارتفاع نسب هذه الغازات في الغلاف الجوي إلى زيادة تأثير البيت الزجاجي، وهو ما يتسبب بارتفاع درجات حرارة الأرض بشكل غير طبيعي.


ولفت الى انه مع استمرار إطلاق هذه الغازات نتيجة للحروب والقصف في المناطق الصناعية، تتزايد ظاهرة التغير المناخي، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات البيئية مثل ارتفاع مستوى البحار، وزيادة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات، الجفاف، وحرائق الغابات.

انتقال الملوثات عبر الحدود

وبحسب الخبير الخبير البيئي، يمثل تلوث الهواء الناتج من القصف في المناطق الصناعية تحدياً عابراً للحدود، حيث يمكن أن تنتقل الملوثات عبر الرياح إلى دول ومناطق أخرى بعيدة عن موقع الحادثة. هذا يخلق تحديات إقليمية ودولية لمكافحة التلوث، حيث إن تأثر الهواء لا يقتصر فقط على الدول التي شهدت النزاع، بل قد يمتد إلى دول مجاورة. يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على الجهود الدولية للحد من التغير المناخي وتلوث الهواء.
هذا الانتقال السريع للمركبات السامة، يضيف كامل، يعرض المناطق المجاورة لخطر تلوث الهواء، حتى وإن لم تكن طرفًا مباشرًا في الصراع. يمكن أن تتعرض المناطق الريفية والساحلية والمدن المكتظة بالسكان لتلوث الهواء الناتج من الحرائق والقصف، مما يؤثر في صحة السكان وفي البيئة المحلية. قد تجد بعض الدول نفسها مضطرة الى التعامل مع عواقب بيئية ليست من صنعها، مما يشكل تحديات ديبلوماسية وتقنية تتعلق بإدارة الأزمات البيئية العابرة للحدود.

واكد أن الملوثات المحمولة جواً مثل الجسيمات الدقيقة وثاني أكسيد الكبريت (SO2) وأكاسيد النيتروجين (NOx) قد تتفاعل مع المكونات الأخرى في الهواء لتشكيل الأمطار الحمضية. هذه الأمطار الحمضية يمكن أن تتساقط في مناطق بعيدة عن مصدر التلوث، مما يؤدي إلى تدهور التربة، تلوث مصادر المياه، وتضرر الغطاء النباتي في تلك المناطق، وقد تؤثر بشكل سلبي في الزراعة والنظم البيئية المحلية.

كارثة تلوث التربة والمياه

وقال: من بين التأثيرات البيئية الأكثر خطورة، هو التلوث المحتمل للتربة والمياه في المنطقة. احتراق المواد الكيميائية والزيوت يمكن أن يؤدي إلى تسرب هذه المواد إلى التربة، مما يجعلها غير صالحة للاستخدام الزراعي ويعرض المحاصيل للتلوث. وعند اختلاط المواد السامة بالمياه الجوفية، قد يمتد التلوث إلى مصادر مياه الشرب، مما يشكل تهديداً كبيراً لصحة الإنسان والحيوان.

واشار الى ان التسربات الكيميائية التي تنتج من مثل هذه الحرائق لا تقتصر على التأثيرات المحلية، بل يمكن أن تنتقل عبر الأنظمة المائية إلى الأنهار والبحار المجاورة، مما يهدد الحياة البحرية ويعرض النظم البيئية المائية للتدمير.


واكد ان هذه الكارثة البيئية ليست مجرد مشكلة محلية، بل هي كجرس إنذار للعالم بأسره حول المخاطر البيئية التي تنجم عن النزاعات المسلحة. تداعيات القصف ليست مؤقتة، بل تستمر على المدى الطويل، مما يفرض على المجتمع الدولي ضرورة التدخل لاتخاذ إجراءات عاجلة للحد من التلوث والتخفيف من آثار هذه الكوارث. يتطلب الأمر أيضاً تعزيز الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي، حيث إن مثل هذه الأحداث تعمق الأزمة المناخية وتزيد من تفاقم المشكلات البيئية التي تهدد كوكب الأرض.
وختم: لبنان اليوم بحاجة إلى استراتيجيات شاملة لإعادة تأهيل البيئة المتضررة، وإلى تعاون دولي لدعم هذه الجهود من خلال نقل التكنولوجيا البيئية المتقدمة وتوفير الموارد اللازمة. صحيح أن إعادة بناء ما دمره القصف لن تكون مهمة سهلة، لكنها ضرورية لضمان مستقبل أكثر أمانًا وصحة للإنسان والبيئة!