"مستشفيات تحت الخطر" باتت هي المعادلة التي تحكم البلاد، منذ أن أصبح الخطر متنقلاً، لا يميّز مقراً أو أوتوستراداً.
من التهديد لمستشفى الساحل، إلى القصف على مقربة من مستشفى رفيق الحريري الحكومي، مروراً بالمستشفيات الخمسة التي خرجت عن الخدمة، جنوباً وبقاعاً: شريط يضع المراكز الاستشفائية، وطاقمها، في دائرة الخطر.
فالمراكز لا تعني فقط مقار أو أسرّة، بل طواقم ومسعفين ومرضى، وبشراً يحتاجون إلى علاج. من هنا، سارعت نقابة المستشفيات إلى إصدار بيان استنكرت فيه التهديدات، وناشدت المجتمع الدولي "اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ قرار إبعاد القطاع الصحي عن الاعتداءات".
لا يخفي نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون قلقه من تفاقم الأوضاع، ويؤكد "ليس أمامنا إلا التزام القانون الدولي لتأمين الحماية العامة، وأهمها المواقع المدنية والاستشفائية".
اتفاقات دولية
والسؤال: ما هي الاتفاقات الدولية التي تحمي المستشفيات في زمن الحروب؟
تصنّف المستشفيات في دائرة المدنيين، وبالتالي ثمة اتفاقات تحكمها تماماً كالتي تطبّق على المدنيين في حالات العنف والحروب.
أول هذه الاتفاقات، اتفاقات جنيف الأربعة لعام 1949 وبروتوكولاتها لعام 1977، وخصوصاً الأول منها، الموقع في 12 آب 1949، الذي يشدد على "حماية ضحايا المنازعات الدولية المسلّحة".
يتضمن هذا الاتفاق الدولي أهم القواعد التي تحدّ من وحشية الحرب، فهي تحمي الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال.
يُدرج في الخانة الأولى: المدنيون، المسعفون وموظفو الإغاثة.
ويأتي في الخانة الثانية: من أصبح عاجزاً عن القتال، من جنود جرحى ومرضى وأسرى حرب.
تباعاً، تطوّر القانون الدولي الإنساني الذي يميز صراحة بين المدنيين والعسكريين، ففي عام 1970 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قانوناً ينصّ، تحديداً، على أن "منطقة المستشفى أو أي ملجأ مماثل لا ينبغي أن تكون هدفاً لأي عملية عسكرية".
إنها قاعدة قانونية – دولية ثابتة لا يمكن لإسرائيل التنصل منها. ففي زمن الصراعات، لا يُسمح أبداً بالهجمات العشوائية أو المستهدفة على المستشفيات والوحدات الطبية والعاملين الطبيين الذين يعملون بصفة إنسانية.
من هنا، تشكل الهجمات المتعمدة ضد المستشفيات والأماكن التي يتجمع فيها المرضى والجرحى، بموجب نظام روما الأساسي، مخالفة جسيمة لقوانين وأعراف الحرب. لا بل أكثر، فإنه بمقتضى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يشكل تعمد توجيه هجمات ضد المستشفيات وأماكن تجمع الأفراد والجرحى: جريمة حرب بامتياز.
ففي عام 1998، أنشئ نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تختص، حصراً، بمحاكمة الأفراد المسؤولين عن ارتكابهم جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان وجرائم الإبادة الجماعية.
يشرح رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية العميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص لـ"النهار" أن "إسرائيل لم تبرم البروتوكول الأول لعام 1977 الملحق باتفاقات جنيف لعام 1949 والذي يحمي المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، إلا أنها لا تستطيع التنصل من القاعدة العرفية للحرب، لمجرد عدم إبرامها البروتوكول".
النصوص والاتفاقات أكثر من واضحة، لكنها ليست صارمة بالنسبة إلى من يتقن الحرب والدمار... وأمام هذا التخبط، لا سبيل إلا وقف النار، كي يتوقف نزف دماء الأبرياء.... وتبيان قبح هذا البلد أكثر!