Advertise here

ثمن "معالي الوزير" قراره

04 كانون الثاني 2019 10:22:33

لا أعرف جواد عدرا.. أعرف والده المرحوم أبا جواد نديم عدرا، كنا إلتقينا بالمصادفة في عاصمة دولة خليجية، وكنت زائراً في مهمة صحافية. وهو كان مديراً لإدارة صحيفة سياسية كبيرة في تلك العاصمة. وإذ تصافحنا من دون تعارف مال نحوي وهمس في أذني: "أهلاً بالصحافي التقدمي الإشتراكي".

ولم يكتف بتلك المجاملة، بل دعاني إلى غداء تكريمي بحضور عدد من اللبنانيين. ومن خلال الخوض في المسألة اللبنانية الدائمة تبين لي أنني وسط مجموعة من السوريين القوميين الإجتماعيين، وكان لبنان في تلك المرحلة (أواسط التسعينات من القرن الماضي) في إحدى أتعس مراحل أزماته المتواصلة.

وقد رحل أبو جواد نديم عدرا وبقي له في ذمتي ذلك اللقاء الذي لم يتكرر، وبقيت منه خلاصة قضية لبنان الدائمة، والمستعصية، على حل وطني ديموقراطي مدني يجمع شتات شعبه على أرضه كما في أقطار العالم.

ومن صلب أزمة لبنان الضاربة في أعماق جذوره، نشأت أو تفبركت "قضية" وزارة ووزير "اللقاء التشاوري للنواب السنّة الستة" الذين إكتسبوا صفة "نواب 8 آذار".

ثمانية أشهر من "العلك السياسي"، ولبنان الجمهورية، والشعب، والمؤسسات، والنواب، والأحزاب، والنقابات، وأجهزة الإعلام المكتوب والمرئي، والمسموع، والمقروء بكل لغات العالم يتابع الغوص في مستنقع الحصص الطائفية والمذهبية، حتى إهتدى أهل "الربط" إلى ذلك "الحل" الذي اختاروا له مرشحاً من أهل العلم والابحاث والاعلام هو جواد نديم عدرا، وقد لبى الدعوة فوضعوا بين يديه مقعداً وزارياً على اسم وحساب مجموعة "اللقاء التشاوري للنواب السنة الستة".

وإذا حُجبت عن الإعلام، والرأي العام، تفاصيل ذلك اللقاء التشاوري مع المرشح المدعو للوزارة عن النواب السنة، وهو من خارج مجلس النواب، ولا رابط سياسياً، أو عقائدياً، بينه وبينهم، كانت المفاجأة بالنتيجة: الاعتذار عن عدم قبول "الهدية" ولعل الأسباب تعود إلى شروط للمدعو الى حمل لقب "معالي الوزير"، وأيا تكن الأسباب، أو الشروط، سجّل جواد عدرا سابقة تُحسب للذين يجعلون شروطهم "مطلباً" لقبولهم المشاركة في الحكم.

وثمة سؤال يصعب على النواب الستة أن يجدوا جواباً عنه، وهو: بأي صفة يمكن أن يمثل الوزير جواد عدرا النواب السنة، وهو من منطقة "الكورة" وهم ينتمون إلى مناطق متفرقة بين بيروت، والشمال، والجنوب، والبقاع الغربي، ولا يجمعهم حزب سياسي، أو جمعية خيرية ذات نفع عام؟

وسؤال آخر:

على أي صيغة سياسية، أو إصلاحية كان يمكن أن يوقع الوزير باسم "كتلته" المفترضة؟؟

كانت حبكة فاشلة، وإنتهت.

فهل تؤدي هذه الصدمة السياسية المعنوية إلى إعادة النظر في مسودات تشكيل حكومة إستهلكت صبر اللبنانيين على سياسة كتلة تحتكر قرار الحسم من دون حساب لعواقب التفريط بالوقت، وبالفرص من رصيد العهد؟

حكومة لكل وزارة وزير هي الحل الذي يحفظ للعهد فرصة الانطلاق في بداية السنة الثالثة من ولايته. على ان تكون حكومة من أهل العلم، والقانون، والعدل، والنزاهة، والشجاعة، من خارج مجلس النواب.

هي فرصة لانطلاقة العهد المتأخرة، وليكن ثمن "معالي الوزير" قراره الواضح الناجم عن إلتزام قضية ومبدأ لحساب الوطن وشعبه الذي يمثله، وليس لحساب مقعد وزاري مؤقت.