كتب تيمور جنبلاط في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2024
لقد قيل إن "الشيء الوحيد الضروري لانتصار الشر، هو ألّا يفعل الرجال الصالحون شيئاً". يبدو في هذه الأيام أن العالم يعاني نقصاً في هكذا "رجال صالحين".
يرزح لبنان اليوم تحت العدوان الإسرائيلي المستمر بلا هوادة، مستهدفاً المدنيين الذين يُقتَلون، ويُصابون، أو يُهجَّرون وينامون في الطرقات والشوارع، مع انسداد الأفق. إنّ ما يدّعونه من "محاربة الإرهاب" ليست في الواقع إلّا حرباً مستعرّة ضد الأحياء المكتظّة بالمدنيين، فاضحةً الحقيقة الصارخة أن نفاق وازدواجية المعايير لدى الغرب لم تكن يوماً بهذا الوضوح.
إلى متى ستستمر إسرائيل بادّعاء المظلومية، وتنجو من المساءلة عما تمارسه من العنف والإجرام بحق الأبرياء الذين لم يكن لهم أي دور في ما واجهه اليهود من تاريخ مأساوي؟
إن "معاداة السامية" لم تولد في الشرق الأوسط؛ علينا أن لا ننسى تلك الأيام السوداء التي سيطرت على ما تدعونه "الغرب الأخلاقي".
إلى متى ستستمر "القوى العظمى" في العالم بالإنحناء لإسرائيل واعتبار حياة الفلسطينيين، واليوم حياة اللبنانيين، لا قيمة لها؟ ما هو شكل القيم الديمقراطية التي نخضع لها في هذا الجزء من العالم؟
أحد السياسيين المعروفين قال يوماً: "من الخطورة بمكان أن تكون عدواً لأميركا، لكن الخطر المميت أن تكون صديقاً لأميركا". كم هو صادق هذا الكلام، وكم يتثبت صدقه مع مرور الزمن. فالعراقيون والأفغان والسوريون، جميعهم دفعوا ثمن تصديقهم لوعود الصداقة وبناء مجتمعات ديمقراطية.
حتى قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كان المدنيون الفلسطينيون يدفعون ثمن الرصاص والقنابل المصدّرة إلى إسرائيل، الدولة المسماة "الحليف الديمقراطي الأخلاقي الوحيد" للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. تحت قيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بلغ مستوى إرهاب الدولة إلى درجات غير مسبوقة.
هو نتنياهو نفسه الذي مارس الضغوطات لكي تجتاح الولايات المتحدة العراق للإطاحة بصدام حسين عام 2002، ليس صديقاً لأميركا. لقد قام نتنياهو بتشويه صورة الولايات المتحدة في المنطقة إلى درجة لا يمكن إصلاحها. لقد آن الأوان لاعتبار هذا الرجل الخطر الرئيسي على العلاقات التي تهدف أميركا لبنائها مع شعوب المنطقة.
لا شك في أن نتنياهو وحكومته اتّبعا سياسة تزكية الإنقسامات الفلسطينية وتقويض السلطة الفلسطينية، ووصما أية حركة معارضة للإحتلال غير القانوني وللاستيطان بأنها حركة "إرهابية". لكن أليست كل الحركات الثورية عبر التاريخ قد تم وصمها في بعض المراحل، بأنها "إرهابية". أحد الأمثلة المؤثرة هي إنتفاضة يهود غيتو وارسو بوجه النازيين في نيسان/أبريل عام 1942. برغم القضاء على تلك الإنتفاضة من قبل ظالميها الوحشيين، أولئك الشجعان الذين تجرأوا على مقاومة الظلم، يتم اعتبارهم أبطالاً - رموز لتحدي الطغيان، قاتلوا لحقهم في البقاء من أجل وجودهم. فلماذا لا يتم منح الفلسطينيين نفس الحق في القتال من أجل آمالهم وتطلعاتهم المحقة بعد أن تم حرمانهم وتجريدهم من كل شيء؟ يا لسخرية القدر.
ماذا حصل لـ"أوروبا القوية والموحدة" - المشتتة فعلياً - حيث تتركز تصاريحها المستنكرة حول حرب روسيا على أوكرانيا وتصدر العقوبات على موسكو عند كل مفترق؟ فما هذا الصمت الأوروبي المريب عندما يتعلق الأمر بإسرائيل؟ دون أن نغفل طبعاً بعض الأصوات الأوروبية الشجاعة والباهرة التي نكنّ لها التقدير العميق. لكن أين الإحتجاج والغضب الأوروبي المشترك في وجه المذابح التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون واللبنانيون الذين بمعظمهم من النساء والأطفال؟
في عالمنا هذا المتجاوز لكل الحقائق، أصبحت حياة البشر مجرد إحصاءات وأرقام. لم يعد للحقيقة أية قيمة، فقد دُفِنت في جوف خطابات فارغة وغضب أجوف، طغت عليها أنقاض القنابل التي ادّعوا أنها الوحيدة القادرة على "تصدير الديمقراطية" إلى "المتوحشين المساكين". إلا أن الهدف الرئيس لهذه القنابل هو حماية دولة الفصل العنصري "الديمقراطية" الوحيدة في العالم.
لأي درك قد سقط الجبابرة في الحقيقة؟!
كمواطن لبناني، أكتب لأقول إنه قد حان الوقت لوقف إطلاق النار. الآن هو الوقت المناسب لتلك البلدان التي تبشّر بالسلام وبأهمية الحلول الدبلوماسية أن تمسك زمام المبادرة وتفي بالتزاماتها.
الحزب التقدمي الإشتراكي يناشد الغرب "الأخلاقي" أن يتخذ نفس المواقف الغاضبة والرافضة والشجاعة التي اتخذها في الحرب الأوكرانية، ويطبقها على حربي غزة ولبنان.
كما أننا نناشد الشخصيات الثيوقراطية والدينية في منطقتنا من جميع الجهات، بأن يمتنعوا عن توريط بلدنا والبلدان الأخرى في حروب بالوكالة تؤدي إلى مزيد من المعاناة والموت والدمار.
ونناشد جميع القوى الدولية والإقليمية ومنها إيران، كما نقول لإسرائيل، إن عليهم أن يحترموا سيادتنا كدولة مستقلة تسعى إلى وقف لإطلاق النار وإيقاف إراقة الدماء.
وفي لبنان هنا، المناشدة لكل الفرقاء السياسيين بأن يتحدوا ويتوصلوا إلى إجماع سياسي على انتخاب رئيس وفاقي للجمهورية وتشكيل حكومة لإنقاذ ما تبقى من وطننا الذي تحمل العديد من الحروب والإخفاقات والإنتهاكات. فلنتصرف قبل أن تبتلعنا جميعنا دوامة العنف.
أخيراً، نطالب بالتنفيذ الفوري لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وبأن يمارس الجيش اللبناني مهامه الشرعية.
حمى الله لبنان، وندعو الله بأن نشهد يوماً فلسطين حرة.