بدا واضحاً مع دخول العدوان الإسرائيلي على لبنان وقطاع غزة عامه الثاني، أن الاحتلال ماضٍ في سياسته التدميرية الهمجية التي طالت البشر والحجر على حد سواء، دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً، لوقف هذا العدوان وردع آلة القتل الإسرائيلية، وسط غياب كلي للمبادرات الدبلوماسية، ما يشجع العدو على الاستمرار في إجرامه، متجاوزاً كل الحدود. لا بل أنه أكثر من أي وقت مضى يبدو مصرّاً على انتهاج الحل العسكري، وهو أمر دونه صعوبات جمّة، بسبب بسالة المقاومة على الحدود، رغم محاولات العدو المتكررة للتوغل البري داخل الأراضي اللبنانية. إلّا أن «حزب لله» المتحفز، ورغم الضربات الموجعة التي تعرّض لها، يؤكد عبر مصادره، أن لبنان لن يكون لقمة سائغة أمام الإسرائيليين، وإنما سيواجه الحرب بصلابة وشجاعة، إذا ما أصرّ العدو على استكمال عدوانه. وإن كان لبنان الرسمي أكد عبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الاستعداد لتطبيق القرار 1701 ونشر الجيش في الجنوب.
وفي حين أكد عدد من المسؤولين الإسرائيليين الإصرار على إعادة سكان الشمال، في موازاة الاستمرار في العمليات العسكرية على الحدود، أشارت وسائل إعلام أميركية، إلى أن حديث إسرائيل عن توسيع الحرب باتجاه لبنان يثير قلق الولايات المتحدة، من تمدد الصراع العسكري ليشمل المنطقة برمّتها، مع توجه إسرائيل لتوجيه ضربة ضد إيران، وما سيعقبه من رد إيراني منتظر على إسرائيل. وإن كان عدد من الخبراء الإسرائيليين والأميركيين يؤكدون أن نجاح إسرائيل في حربها ضد حزب لله وسط القتال المستمر بغزة سيكون صعباً. وفي هذا الإطار، علم أن إسرائيل أبلغت لواشنطن، أن حربها على لبنان لإزالة حزب لله من جنوب الليطاني، هي السبيل الوحيد لإعادة سكان الشمال الذين يرفضون العودة إلى منازلهم، إلّا في حال إبعاد «حزب لله» إلى شمال نهر الليطاني.
وفي الوقت الذي جدّد الرئيس ميقاتي، التزام لبنان القرار 1701 واستعداده لإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب، لا تزال العروض الدولية للبنان لوقف العدوان الإسرائيلي قاصرة عن إيجاد حل متوازن، باعتبار أن الاقتراحات التي ينقلها المبعوثون الدوليون، تهدف إلى الحفاظ على أمن إسرائيل بالدرجة الأولى، دون الحصول منهم على تعهد إسرائيلي بالتزام القرار 1701، أي بمنع استمرار الاعتداءات على لبنان، واحترام سيادته. وبالتالي فإن لبنان غير ملزم تأمين حماية إسرائيل، طالما أنها تصرّ على عدم الالتزام بالقرارات الدولية، وتريد الاستمرار في عدوانها على لبنان واستباحة أراضية، في أي وقت تريد. وهذا أمر لن يقبل به «حزب لله» الذي يصرُّ على مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي خلّف أكثر من ألفي شهيد وآلاف الجرحى، إضافة إلى خسائر مادية بمليارات الدولارات، بعد تدمير آلاف المباني والشقق السكنية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.
وفي حمأة التدمير الإسرائيلي للمناطق اللبنانية، فإن لا مؤشرات حسّية على قرب إيجاد حل للمأزق الرئاسي، رغم الحراك الداخلي الدائر بهذا الشأن. وقد أكدت مصادر نيابية، أن المعارضة متماسكة في هذا الموضوع، ولا نيّة عند أحد للتراجع في الموقف، على أمل أن يستمر ذلك، وأن لا يخضع أحد لمنطق الفرض الذي لا زال «الثنائي» يعمل عليه، مجدّدة التأكيد على رفض انتخاب سليمان فرنجية، باعتبار أن وصوله الذي هو حليف حزب لله، يعني أن الأخير سيطر على الرئاسة الأولى، وحوّل الدولة الرسمية والرئاسة اللبنانية الأولى إلى جبهة دفاع عن سلاحه، وعن أدائه في لبنان. ولذلك لا نريد أن تكون الدولة اللبنانية درعاً لحزب لله يستعملها من أجل تحصين نفسه وحمايتها، على حساب الدولة والقانون والدستور.
ولا تخفي المصادر، قلقها من تداعيات استمرار الشغور الرئاسي والمراوحة على هذا الصعيد، على الأوضاع الداخلية، في ظل إصرار «الثنائي» على فرض شروطه. وهو أمر ترفضه المعارضة بكافة أطيافها، محذّرة من الاستمرار في هذا الأسلوب الذي سيأخذ البلد إلى منزلقات غاية في الخطورة، في حال الإمعان في تجاهل إرادة السواد الأعظم من اللبنانيين . سيما وأن «حزب لله» المعني الأول بالملف الرئاسي، لم تصدر عنه أي إشارة بخصوص الملف الرئاسي، وبالتالي فإن الوضع لا زال على ما هو عليه بهذا الشأن. أي أن لا تقدّم جديّاً على هذا الصعيد، بانتظار أن يقول «الحزب» كلمته بهذا الخصوص.
وتشعر المصادر المعارضة، بقلق إزاء مخاطر استمرار استخدام لبنان صندوقة بريد بين إيران والغرب، من خلال اتساع رقعة العدوان الإسرائيلي ضده، إضافة إلى محاولات ربط الوضع في لبنان بأزمات المنطقة، على غرار ما يجري حالياً، بعدما تحوّل لبنان ساحة مواجهات مفتوحة بين «حزب لله» وإسرائيل. وفي حين يهدّد جيش الاحتلال بتوسيع الحرب البرية ضد لبنان، يؤكد «حزب لله» في المقابل، رغم كل ما جرى، أنه مصرّ على ربط الجنوب بما يجري في غزة، وأنه لن يوقف إطلاق النار، إذا لم يتوقف العدوان على القطاع. وفي هذا الإطار، وسعياً من أجل إعادة الحياة للمؤسسات في ظل هذه الظروف العصيبة، دعا نواب المعارضة إلى فصل لبنان عن أي مسارات إقليمية، ورفض الوصاية، والالتزام بوقف إطلاق نار فوري، وإلى تحديد موعد لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية وفق الدستور. وكذلك الأمر تشكيل حكومة متجانسة تركز على الإصلاح وإعادة الإعمار.
وأشارت مصادر المعارضة، إلى أن نشر الجيش اللبناني على جميع الأراضي اللبنانية لضبط الحدود، في ظل الظروف الحالية التي يمرّ بها لبنان، أمر في غاية الأهمية. كذلك العمل على دعم الجيش وتمكينه من أداء مهامه، توازياً مع تعزيز العلاقات الخارجية مع المجتمع العربي والدولي. وشدّدت على أن لبنان ما عاد يتحمّل استمرار الوضع الراهن، بعد انهيار مقومات صمود السواد الأعظم من اللبنانيين.