العدو يجتاز الخطوط الحمراء: الحزب أمام مفترق طرق
19 سبتمبر 2024
10:40
Article Content
في وضح النهار، أمام مرأى العالم بأسره، وبوقاحة وإجرام طغى على كافة الأعراف والقوانين والقواعد والأخلاقيات، "كبس" العدو زرّ الاعتداء السافر ببرودة طالت أكثر من 3000 آلاف لبناني من بينهم 12 شهيداً في الضاحية الجنوبية والبقاع وبعلبك وبيروت وسط صمت دوليّ تام في اليوم الأول، أما اليوم الثاني، بالأمس، فقد وصل عدد الشهداء إلى 20 شهيداً وأكثر من 450 إصابة حصيلة صدرت عن وزارة الصحة مساء يوم أمس.
جريمتان كسابقاتهما، تستدعيان وقفة عالمية لإدانة هذه الاعتداءات المتكررة، والضغط على إسرائيل لوقف عدوانها إن كان على لبنان أو على غزة، ولكن لا روادع للعدو ولا مَن يقوى على مجابهته، وفي ظل هذا التطوّر الكبير في ما أظهره العدو من خرق دقيق، يأتي السؤال الأبرز اليوم، هل يمكن تجنب اندلاع حرب شاملة بعد هذين الاعتداءين، وكيف يمكن أن تؤثر هذه العمليات على مجريات الحرب؟
في هذا السياق، اعتبر العميد الركن المتقاعد خالد حمادة في حديث لجريدة الأنباء الإلكترونية أن "لا شك أن انفجارات "البيجر" في الأول من أمس أحدثت هزة عنيفة في صفوف حزب الله، إذ إن هذه الانفجارات، التي حملت بصمات تقنية متطورة ومدى تخطيط دقيق، كشفت عن ثغرات أمنية عميقة داخل بنية الحزب. فمن الواضح أن سلاسل التوريد التي يعتمد عليها الحزب في تأمين معداته العسكرية لم تكن بمستوى الحذر المطلوب، مما سمح باختراق أمني عميق"، وأضاف معتبرا أن غياب الإجراءات الأمنية المشددة على مستوى المصانع والشركات المنتجة لهذه المعدات، والتي من المفترض أن تكون على تواصل وثيق مع أجهزة الأمن في دولها، يفتح باباً واسعاً أمام الاختراقات.
ويعتقد حمادة أن "طلب حزب الله لشراء 3000 جهاز إلكتروني في وقت تجاوز فيه المجتمع الدولي استخدام هذه الأجهزة يثير الكثير من الشكوك حول الأهداف الحقيقية من وراء هذه الصفقة، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، خاصة أنه وبحسب المعلومات فقد تم تهريب هذه الأجهزة إلى لبنان بطريقة غير شرعية وبدون المرور على الجهات الرسمية، وهذا يفتح الباب أمام العديد من الاحتمالات، أبرزها احتمال تسلل أجهزة مخابراتية معادية إلى صفوف الحزب وتنفيذ عملية التخريب"، ويشير إلى أن الخسائر البشرية التي تكبدها حزب الله جراء هذين الانفجارين هي خسارة فادحة لا يمكن تعويضها، كما أن فقدان عدد كبير من الخبراء والكوادر المتخصصة سيؤثر بشكل كبير على قدرات الحزب على تطوير ترسانته العسكرية.
وفي حين يرى بعض المراقبين أن ما يفعله العدو هو ترجمة لرغبة أكيدة بجرّ الحزب إلى ردٍ أوسع في الوقت الذي يسبق الانتخابات الرئاسيّة الأميركية، وبالتزامن مع تعثّر المفاوضات بشأن غزّة، والبلبلة الداخلية الحاصلة عند الاحتلال، يوضح حمادة أنه في هذه الحالة "على حزب الله إعادة النظر بجميع خياراته الميدانية التي لجأ إليها من 6 أكتوبر حتى اليوم قبل الإقدام على أي رد، والنظر بواقعية الى نتائج عملياته والتداعيات المستقبلية لأي تحرّك". وأشار إلى أنه من الضروري على حزب الله العودة إلى الدولة ومؤسساتها نظرا للتضامن الشعبي والسياسي والاجتماعي الذي حصل عليه عقب الهجومين الأخيرين.
ومن جهة أخرى، يقول حمادة إن "بناء نظام ردع جديد لا يمكن أن يتم بدون الأخذ بعين الاعتبار الثوابت الموجودة في المنطقة، إذ إن القدرة الأميركية الكبرى التي تتحكّم بالمنطقة عسكرياً وعلى غير مستويات، وشبكة المصالح الاقتصادية والأمنية والنفطية التي تربط المنطقة بأميركا وبالتالي أمن إسرائيل، إضافة إلى مسألة توزيع النفوذ في المنطقة هي أمور لا يمكن تخطيها أو تجاهلها، خاصة من قبل حزب الله الذي يتخذ في لبنان القرارات المصيرية الحاسمة".
ويختم حمادة معتبراً أن ما يحدث في غزة هو جزء من هذا المشروع الأميركي، والاتفاقات الأمنية المعلقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة هي جزء من هذا الصراع وهذا النقاش حول الوجود الأميركي في المنطقة، كذلك أزمة طهران مع دول الخليج ومع الولايات المتحدة في المشرق العربي، وبالتالي كل هذه هي عناصر مشكلة لنظام الاستقرار الجديد والذي سيقوم على مجموعة من التوازنات، "لذلك أعتقد أن فكرة الردع التي قامت أساسا بموجب توازن سياسي وإقليمي - دولي نسجته الولايات المتحدة الأميركية من خلال القرار 1701 بين حزب الله وإسرائيل استنادا على نظام المصلحة بين طهران وواشنطن الذي يتعرّض اليوم إلى انتكاسات وبالتالي لم تعد فكرة الردع قائمة، وهذا ما يُثبت أنه بانكشاف لبنان لا يمكن أن يبقى حزب الله قادرا على مساندة غزة ولا على حماية لبنان، ربما يكن هذا النظام ظاهرا سابقا ولكنه اليوم بدأ يتكشّف".
وسط هذه المشهدية الصعبة، سيكون من الصعب على حزب الله اتخاذ القرار حول هذين الاستهدافين الثقيلَين عليه وعلى بيئته وعلى البلد بأسره، ذلك أنَّ استهداف حوالي 4 آلاف شخص في يومين، من بينهم مسؤولين في الحزب، يشكل أخطر اختراق للعمق اللُبناني ولقدرات حزب الله.
بالتأكيد بات من الصعب ضبط الأمور في إطار الخطوط الحمراء المعهودة، والخيارات محدودة، إذ بحسب مراقبين فالخيارات محدودة "إما تذهب الأمور إلى حرب شاملة، وإما تذهب نحو مواجهات واسعة ومفتوحة وقاسية، لذلك فإنه من المتوقّع أن ينتقل الحزب من شعار مساندة غزّة، إلى منطق عسكري جديد من المواجهة موازيًّا لما تعرّض له من استهدافات، لأن غير ذلك سيضعه في موقع ضعيف ويُسلّط ضده كل سهام خصومه"، وهذا ما عبّر عنه بعض مسؤولي الحزب في تصريحاتهم.