Advertise here

الرسائل الرئاسية: عن "العلاّمة" الذي يخالف القانون!

05 آب 2019 13:19:23

منذ تولّي العلاّمة، سليم جريصاتي، وزارة العدل، ولحقها ببدعة وزارة شؤون رئاسة الجمهورية (مفتي الرئاسة)، يتبيّن أنه طاب له خلق عُرف دستوري جديد يسمح له بمخالفة فصل السلطات وإقحام السلطة التنفيذية في أعمال السلطة التشريعية عن طريق إعمال الفقرة 10 من المادة 53 من الدستور، التي تجيز لرئيس الجمهورية توجيه الرسائل إلى مجلس النواب، فكان أول الغيث الرسالة التي وجهها، عندما تأخر الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة، طالباً إتخاذ الإجراءآت لسحب التكليف متدخلاً بموضوع يختص به المجلس النيابي، ما خلق جدلاً دستورياً حول تدخل الرئاسة في شأن سلطة مستقلة عنه، وكاد أن يخلق أزمة بين الطوائف في البلد الهجين.

وكرر العلاّمة جريصاتي الإجراء، والأمر الاكيد بإيعازمن معلمه جبران باسيل، بمناسبة الإمتناع عن إصدار تعيين الفائزين في إمتحانات مجلس الخدمة المدنية بسبب إنعدام التوازن الطائفي، ووجه رسالة وقعها فخامة الرئيس، إلى رئيس مجلس النواب طالباً منه أن يتخذ الإجراءآت لتفسير المادة 95 من الدستور.

تعليقاً على هذا الإجراء، نلفت العلاّمة أنّ ما يفعله هو توجيه تعليمات وأوامر إلى السلطة التشريعية، التي لا يحق له مخاطبتها للمطالبة بأي إجراء يتعلّق بأعمالها وإختصاصها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية نلفت العلاّمة أنّ تفسير القوانين يخرج بالمطلق عن إختصاص السلطة التي أصدرتها، بل يعود هذا الموضوع للقضاء الذي يجتهد ويعتبر إجتهاده هو التفسير غير الملزم له إذ يجوز أن يتبدل من هيئة إلى أخرى. فتفسير مواد الدستور إذا لم تحدد الجهة التي تفسره بنص يعطي المجلس هذا الإختصاص أو المجلس الدستوري، تطبق بشأنه القواعد العامة في تفسير القوانين. 

إنّ تفسير مادة في الدستور لا يتم إلاّ بقانون تعديلي، ولا يمكن لمجلس النواب أن يفسر مادة في الدستور أو أي قانون، صدر وفقاً للأصول. فما يطلبه العلاّمة هو تعديل المادة 95 بحيث توضّح نيّة المشرع بأسباب مضمونها وهو التعديل بعينه، ورسالته هي دون أي جدوى كون مضمونها يخالف الأصول المنصوص عليها لتعديل الدستور، من حيث الإجراءآت الواجبة الإتباع.

ويؤكد الدكتور عصام سليمان رئيس المجلس الدستوري، المنتهية ولايته، بدراسة نشرها في الكتاب السنوي للمجلس الدستوري لسنة 2016، أنّ مهام المجلس عند النظر بأي طعن يُقدم أمامه حول دستورية قانون، هي تطبيق النص وتفسيره عند غموضه، ما يؤكد أنّ غياب النص لا يحوّل رئاسة الجمهورية إلى صاحبة إختصاص يطاول أعمال السلطتين التشريعة والقضائية عن طريق توجيههم في أعمالهم. 

ونعتقد، بحق، أنّ الإلتفاف القانوني الذي يمارسه، العلامة، على إختصاص مجلس النواب لن ينطلي على فطنة رئيسه الذي سيضع الرئيس القوي، ووزير شؤونه، في موقعهم الدستوري.

إن رسالة الرئيس، والموقف المخالف للأصول القانونية بالإمتناع عن توقيع المراسيم، التي أعطت المواطنين الحقوق المكتسبة الناتجة عن نجاحهم في إمتحانات مجلس الخدمة المدنية، تطبيقاً للقانون، بحجة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، تشكلان مخالفة لمقدمة الدستور التي نصت الفصل بين السلطات وعلى المساواة بين اللبنانيين، وعلى الجهة التي تعتبر أن في ذلك مخالفة لإحكام المادة 95 من الدستور أن تطعن أمام المجلس الدستوري الذي عليه تفسيرها  لتعليل قراره. 

ننادي العلامة، ومعلمه، ونذكرهم أن الرسالة ليست رسالة بل هي طلب تعديل للدستور، وأن الناجحين يحملون نفس جنسيتهم التي أعلنت مقدمة الدستور عن المساواة بين حامليها، فاتقوا الله في عباده.