ليست المرة الأولى التي يندلع فيها حريق في مكب الجديدة، لكنه هذه المرة كان الأكثر شدة وإتساعاً، وسط مطالبات رسمية بإجراء تحقيق جنائي جدي إثر تواجد مؤشرات بإفتعاله عن سابق تصوّر وتصميم.. كارثة حريق مطمر الجديدة أعادت إلى الواجهة دق ناقوس الخطر للمخاطر البيئية والصحية الناجمة عن الفوضى والتفلت الحاصل في تشغيل مطامر ومكبات النفايات الصلبة وأيضاً السعي الى إقرار الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات التي أعدتها وزارة البيئة وسبق وعرض مسودتها على لجنة البيئة النيابية لدراستها.
الدخان الأسود الذي تصاعد من مطمر الجديدة يتطلب بلا شك تفنيد المسؤوليات حول الأسباب التي تحول دون إقرار الإستراتيجية، كي يُدار قطاع النفايات الصلبة بخارطة طريق علمية مستدامة، ولا يُسمح لـ"النكاشين" أذية المواطن والبيئة والإستفادة المادية "الممنهجة" خلافاً لأي قوانين وقواعد عامة.
وفي إتصال مع "جريدة الأنباء الإلكترونية" يلفت رئيس لجنة البيئة في مجلس النواب، النائب غياث يزبك إلى "أن لا أحد يرفض في العلن الاستراتيجية الوطنية لإدارة قطاع النفايات الصلبة، إنما ثمة قوى تدعم فئات إجتماعية تمتهن التجارة ومختلف أنواع المخالفات، وتتباطأ في درس هذا المشروع وإعطائه الحظوظ أو إبداء الرأي فيه، كي يسلك طريقه إما بكليته أو بإضافة تعديلات جديدة وهذه المسألة باتت شبه مكشوفة".
وينطلق يزبك مما حصل في مطمر الجديدة متحدثاً عن مجموعات محمية سياسياً وأمنياً معرفون بـ"النكيشة" يدخلون الى قلب المطمر ويستحوذون على كافة أنواع النفايات التي يمكن تدويرها وبيعها"، لافتاً الى أنهم يحققون 5000 دولار أرباحاً يومية، يتقاسمها بعض المنتفعين المحميين".
وإستناداً الى الأرقام التي ذكرها يزبك فإن الإستفادة السنوية لـ"النكيشة" تصل الى مليوني دولار، "وهو رقم كبير وقياسي، سيما أن هذه الممارسات تنسحب على باقي المطامر العشوائية"، على حد تعبيره.
كذلك، يتحدث يزبك عن جهات لها دور في التشريع والسلطة التنفيذية والضابطة العدلية والقضاء "تدير ظهرها" لهذه المخالفات، وثمة شبكة تستفيد على حساب صحة الناس ومالية الدولة ونظافة البيئة.
ومن ناحية أخرى، إن الفوضى القائمة في إدارة المطامر وما تتسبب به من إنبعاثات وحرائق وأمراض تكبّد الدولة فاتورة صحية لا تقل عن 500 الى 600 مليون دولار سنوياً، وفق ما يذكر يزبك.
ومن بين الأسباب التي تقف حاجزاً أمام الإستراتيجية أنها تصطدم بقبول الإجتماع اللبناني العام المتعدد الطوائف بوجود مطمر نفايات في نطاقه الجغرافي، كما يوضح يزبك. ويلفت الى أن الإستراتيجية الوطنية تفترض أن يكون 17 منطقة خدمية موّزعة على كامل الأراضي اللبنانية.
ويعيد يزبك ذلك، الى عدم الثقة بالدولة بإدارتها لمرافقها ولديهم أمثلة كثيرة يستندون إليها.
ويضيف: "في الوقت الذي يعتبر مطمر الناعمة مطمراً نموذجياً يتمتع بالمواصفات العالمية، كما أنه أحد أفضل المطامر في الشرق الأوسط إلا أن سوء إستخدامه وتحميله نفايات فوق طاقته الإستعابية عدة مرات جعل المناطق تتخذ من ذلك حجة بعدم القبول بمطمر صحي مماثل".
ويختم يزبك قائلاً انه في المنطق العام عندما تكون الدولة رسمياً جدية ولا يتحكم الفساد بمفاصلها وإداراتها يمكنها بكل سهولة فرض إرادتها وإختيار مكان المطمر ونوعه وتباشر بإجراءات الإستملاك شريطة أن تحترم تنفيذه وتشغيله وفق الأصول.
في المحصلة، معوقات وإشكاليات في التخطيط والتنفيذ والرقابة تحول دون إدارة صحيحة لقطاع النفايات الصلبة، والمسؤولية لا تتحملها جهة واحدة فقط، سيما أن المسألة الأهم تتصل بصحة المواطن وحماية البيئة وتطبيق القانون.