حط مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في بكين والتقى الرئيس الصيني شي جينغبنغ حاملا رسالة واضحة من الرئيس الأميركي جو بايدن لأن سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه الصين لم تتغير وليس لدى واشنطن أي نية باستخدام تايوان كأداة لاحتواء "الصين الواحدة" ولا تدعم الولايات المتحدة "استقلال تايوان"، وأن تنشيط التحالفات الأميركي في شرق أسيا مع الفيليبين واليابان ليست ضد الصين، وأكد أن البيت الأبيض لا يسعى إلى حرب باردة جديدة، ولا إلى تغيير نظام الصين أو الصراع مع الصين. تأمل الولايات المتحدة في الحفاظ على الاتصالات الاستراتيجية مع الصين وإيجاد طريقة للولايات المتحدة والصين للتعايش في سلام ولتنمية العلاقات الأميركية الصينية بطريقة مستدامة.
بدوره أكد الرئيس الصيني إن سياسة بلاده الخارجية منفتحة وشفافة، ونواياها الاستراتيجية واضحة، تتبع طريق التنمية السلمية. وأشار إلى أن سياسة الصين تجاه الولايات المتحدة متسقة للغاية لم تتغير. تهدف إلى إقامة علاقات مستقرة وصحية ومستدامة على أساس الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين، وأكد أن موقف بلاده المتمثل في حماية سيادة البلاد وأمنها ومصالحها التنموية لم يتغير، وجهودها لدفع الصداقة التقليدية بين الشعبين الصيني والأميركي إلى الأمام لم تتغير.
وقال الرئيس الصيني لضيفه "أن الصين والولايات المتحدة دولتين رئيسيتين يجب ان تكون مسؤولتين عن التاريخ والشعب والعالم، ويجب أن تكونا مصدرًا للاستقرار للسلام العالمي ودافعًا للتنمية المشتركة".
زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي الى بكين والتي تأتي بعد إعلان الرئيس بايدن انسحابه من السباق الرئاسي، سبقتها توترات إقليمية في بحر الصين الجنوبي بعد تكرار حوادث دخول سفن فيليبينية مناطق بحرية متنازع عليها مع الصين، اعتبرتها بكين تحركات استفزازية لها، كان أخرها يوم الاثنين في 19 آب الفائت حيث توغلت سفينتين فيليبينيتين بشكل غير قانوني المياه المجاورة لشعاب شيانبين المرجانية في جزر نانشا الصينية واصطدمت احداها عمدا بسفن خفر السواحل الصينية، خطورة هذا الحادث أنه يأتي بعد يومين على انتهاء المناورات البحرية العسكرية التي اجرتها الولايات المتحدة والفلبين وأستراليا وكندا في بحر الصين الجنوبي مستخدمة فيها الذخيرة الحية، والذي تخللها أيضا تصرفا فيليبينيا استفزازيا إذ دخلت طائرة عسكرية فلبينية أجواء جزيرة هوانغيان الصينية. استدعت استنفارا عسكرا صينيا بحريا وجويا كبيرا. مع الإشارة الى أن قادة الولايات المتحدة واليابان والفلبين عقدوا في 11 نيسان الماضي من هذا العام قمتهم الثلاثية الأولى في واشنطن، حيث أصدروا بيانا مشتركا، أعلنوا فيه عزم الأطراف الثلاثة تعزيز التعاون الدفاعي بينهم لتعزيز ما أسموه "الأمن والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والعالم"، واتهموا الصين بـ"تغيير الوضع الراهن من جانب واحد من خلال القوة"، معربين عن "قلقهم" بشأن تصرفات الصين لحماية السيادة الوطنية في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، تلا ذلك في 24 نيسان إقرار الكونغرس الأميركي تخصيص 8.1 مليار دولار لحلفاء واشنطن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ومنهم تايوان بما فيها 500 مليون دولار للفليبين.
من جهة أخرى، كان من اللافت أيضا تزامن زيارة المسؤول الأميركي الى بكين مع انهيار اتفاق وقف النار في ميانمار الذي نجحت وسطاء صينيون في التوصل اليه بين الحكومة العسكرية والفصائل المعارضة لها قبل اشهر قليلة، إذ عادت المعارك لتندلع بشكل واسع في المناطق الحدودية مع جنوب الصين، ما استدعى إعلان الجيش الصين عن تنظيم دوريات عسكرية ومناورات بالذخيرة الحية في الخطوط الأمامية الحدودية، كما زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي ميانمار داعيا الى وقف اطلاق النار والحفاظ على الاستقرار والهدوء والرد الحازم على التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي لميانمار، حيث كشفت وسائل إعلام عالمية عن اجتماع عقد عبر الإنترنت في 16 أب الفائت بين مسؤولين أميركيين كبار ومعارضة ميانمار حمل الكثير من رسائل "الثناء" و"الالتزام" من جانب المسؤولين الأميركيين، ما أساهم في تفاقم الاضطرابات في ميانمار، وهذا ما تعتبره بكين ليس تدخلا مباشرا في الشؤون الداخلية لميانمار، بل استفزازا واضحا لموقف الصين المؤيد للاستقرار والسلام الداخلي.
في المقابل نجحت سياسة الصين الناعمة التي تعتمد على مشاريع التنمية والشراكة والاستثمار باحتواء العديد من التوترات الإقليمية الأخرى التي حاولت الإدارة الأميركية تحريكها لاسيما مع فيتنام وتايلاند ولاوس بعد انطلاق اعمال مشروع قناة دي تشونغفو الجنوبية في كامبوديا بالتعاون مع الصين والتي تخفض مستوى الشحن عبر فيتنام بنسبة 70%، إلا ان البلدين وبعد زيارة الزعيم الفيتنامي سولينغ إلى الصين مقع عدد من اتفاقيات التعاون مع الصين من بينها مساعدة الصين لفيتنام في بناء خط سكة حديد موحد وتقديم الدعم التقني لها. وسيعزز هذا التعاون التبادل البلدين في مجال بناء البنية التحتية.
على الرغم من أهمية الرسائل الإجابية التي حملها المسؤول الأميركي الى بكين، يربط العديد من الباحثين المتخصصين بالشأن الأميركي – الصيني هذه الزيارة بالأحداث والتوترات الأخيرة التي أشرنا إليها والتي تزامنت أيضا مع انعقاد الاجتماع الخامس لفريق العمل المالي الصيني – الأميركي في شانغهاي، والذي حضره مسؤولون من بنك الشعب الصيني ونائب وزير الخزانة الأميركية وممثلين عن بنك الاحتياطي الفيدرالي ولجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، والذي ركز على مواضيع مثل الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي وحوكمة صندوق النقد الدولي وقضايا أسواق رأس المال، دون الوصول الى نتائج حاسمة في القضايا الأساسية التي تتعلق باتفاق التسوية التجارية بين الجانبين أو استقرار الأسواق المالية، وجدولة الديون الأميركية للصين والتي وصلت منتصف العام 2023 الى نحو 821 مليار دولار، على الرغم من مبادرة حسن النية التي قم بها البنتاغون بإزالة شركة تصنيع الليزر الصينية هيساي تكنولوجيا من القائمة السوداء للعقوبات المفروضة على الشركات الأميركية.