الإنتخابات الأميركية وثمن الإبادة في غزة

28 آب 2024 12:22:35 - آخر تحديث: 10 أيلول 2024 15:57:55

لعلّ فرحة الحزب الجمهوري والبهجة التي رافقت بدايات حملة مرشحه في الانتخابات الرئاسية الاميركية الرئيس السابق دونالد ترامب أمام الرئيس الحالي جو بايدن قد تذهب هباءً منثورا، فبعد انسحاب بايدن جاء ترشيحه لنائبة الرئيس كامالا هاريس كالصاعقة التي قلبت الموازين رأساً على عقب، فبعد أن توالت المواقف المؤيدة لها من رؤساء وكبار قادة الحزب الديمقراطي، دخلت حملة الحزب الديمقراطي مرحلة جديدة من الحيوية والحماس، أدّت لتحفيز جمهرة من الديمقراطيين كما من المستقلين الذين كانوا غير راضين على ترشيح كلا الرئيسين ترامب وبايدن. ثم جاء مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي انعقد في شيكاغو مكتمل النصاب، لتكتمل عدّة هاريس ليس ليتحلّق المؤيدون حولها فقط، بل ويستمرون في التزايد – ولم تنحسر شعبيتها سريعا على عكس ما توقّع لها منافسها ترامب – مع معرفة الاميركيين أكثر الى شخصيتها الرزينة والهادئة، والذي يدعم هذا الاحتمال تدفق الأموال الهائل لدعم حملتها الانتخابية التي بلغت رقما قياسياً تجاوز الخمس مئة مليون دولار، والأهم أن عدد كبير من المتبرعين هم من رجال أعمال شباب يتبرّعون للمرّة الأولى، ما يجعل حظوظ الحزب الديمقراطي ترتفع بقوّة لافتة.

 

يبدو أن كمالا هارس أدركت سريعاً حجم وأبعاد معركتها الرئاسية، عبّرت عن ذلك من خلال اهتماماتها بجملة القضايا الداخلية بدءاً من تأييدها الحريات العامة، الى استيعابها مخاوف الاميركيين على الاقتصاد وما يشهد من تضخّم، فتلجأ سريعاً لتمييز سياستها عن سياسة الرئيس جو بايدن، لتعلن المزيد عن سياستها بثقة تامة ولغة شديدة الوضوح في خطابها المركّز – الذي وصف بالمقتضب – أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي مطلقة حزمة الوعود بتخفيض الضرائب على الطبقة الوسطى، وبزيادة حجم المساعدات الاجتماعية، مستفيدة من ثقة الاميركيين بحزبها لناحية حزمة المساعدات والتقديمات التي كانت كفّتها معه دائما أرجح، إضافة لمخاطبتها الطبقة الوسطى أيضاً من خلال اختيارها حاكم مينيسوتا "تيم ولز" لمنصب نائب الرئيس، الذي ينتمي بدوره الى هذه الطبقة بالذات، فهو المدرّس والمدرب الرياضي، والمتقاعد في الجيش الأميركي، سيما وأن حمأة السباق المحموم ترتكز على هذه الطبقة في الولايات المتأرجحة السبعة على الأكثر (أريزونا، جورجيا، ميشيغان، نيفادا، بنسلفانيا، ويسكونسن ونورث كارولينا) أما باقي الولايات فتتوزّع ما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي وفق تموضع ثابت.

 

ويبقى السؤال بعد أن جاءت استطلاعات الرأي في معظم الولايات المتأرجحة لصالح ترامب في بداية حملته الانتخابية، ثمّ تبدّلت بعد ترشّح كامالا هارس لتتفوق عليه بين ثلاثة نقاط و12 نقطة؛ هل هذا يعني أن المعركة قد حسمت لصالحها؟ الاميركيون لا يعتقدون ذلك، حتى أن ترامب نفسه لا يزال يعتقد أنه قادر على هزيمة هاريس، ولكن، لعلّ السحر قد انقلب على الساحر وقضي الأمر، فالاستراتيجية المبنية على التهكم التي خدمت ترامب في انتخابات 2016، ويعتمدها منذ بدء حملته بدأت تفقد سحرها، ونصح مستشاريه في ثنيه عن تلك الاستراتيجية والتركيز على السياسة العامة وعلى الملفات الاقتصادية تذهب أدراج الرياح، فترامب لم يستوعب خطر بلاغته التهكميّة التي باتت تستخدم اليوم ضدّه، بعد أن تحوّل من المرشّح الفتي إلى المرشّح المتثاقل الذي يكرر نفسه أمام كامالا هاريس المليئة بالطاقة والحيوية، هذا لجهة الشكل والتبسيط، ولكن أيضاً في العمق يبدو المضمون أكثر فتكاً، مع الاستراتيجية التي اعتمدتها هاريس منذ بداية حملتها، ومرافعاتها المُحكمة انطلاقاً من موقعها كمدعية عامة تكافح الفساد والفاسدين من أمثال ترامب – كما تقول – الذي يرزح تحت سجل مليء بالتجاوزات يبدأ بالتهرّب الضريبي ولا ينتهي قبل التحريض على تجاوز القوانين، والمساهمة في تقويض أسس النظام الديمقراطي الأميركي، بدءاً برفضه نتائج الانتخابات عام 2020 إضافة لدفاعه حينذاك عن مهاجمي مبنى الكابيتول، وتجاوز القيم الاميركية، في حين لا تزال تلك القيم مقدّسة لدى شريحة واسعه من الاميركيين.

 

ولكن، تبقى مناظرة المرشحين محطة حاسمة، والأهم، الحرب المدمّرة والإبادة الجماعية في غزة، هذا الملف المتفجّر الذي يضغط بمفاعيله السلبية، وربما لولاه كان ليتحلّق حول هاريس جميع الديمقراطيين، فالتيار التقدمي لا يبدو أنه قد حسم أمره حتى الساعة في تأييدها، لاسيما من لا يزال منهم تحت تأثير المشاعر الإنسانية التي عصفت في صفوف الاميركيين عموماً والديمقراطيين خصوصاً، لجهة رفضهم لما تعرّض له الفلسطينيون في قطاع غزة، ويبدو أن هاريس على دراية بأهميّة هذا الأمر، سيما وأن 60 % من الأميركيين في الولايات المتأرجحة غالبيتهم من الشباب – وفق استطلاع للرأي نشر منذ أيام – يتعاطفون مع الشعب المظلوم، ويعبرون عن عدم قناعتهم بالسردية الغربية لجهة القضية الفلسطينية، ما دفع هاريس التي أكّدت دعمها لأمن إسرائيل، وأشارت بوضوح في خطابها أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو لضرورة إنهاء صفقة تحرير الأسرى، إلى إطلاق دعوتها لوضع حد للحرب في غزة، ولرفع الظلم عن الفلسطينيين مذكّرة بحقهم في تقرير المصير، دون أن توضح كيف يمكن أن يصرف مثل هذا الكلام، ومتى؟.

 

ويفرض السؤال نفسه، هل سياسة الحزب الديمقراطي في حرب غزّة وإخفاقها بالتوصّل لقرار وقف إطلاق النار المتعثر منذ أشهر؟ وتساهل الرئيس بايدن ودعمه المفرط لسياسة حكومة نتنياهو ستؤدي فقط إلى تقليص الفجوة بين هاريس وترامب؟ وقوة هاريس تؤهلها للقفز فوق كل شيء؟ أم أنّ انعكاسات هذه السياسة سترقى لتطيح بأحلام الحزب الديمقراطي، وتؤدي الى خسارة كمالا هاريس، وكما أخرجت تبعات الوباء كورونا الحزب الجمهوري من البيت الأبيض، ستخرج تبعات حرب الإبادة في غزّة الحزب الديمقراطي؟

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".