في الوقت الذي كان فيه حزب الله ينفّذ عمليته العسكرية، رداً على استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال القيادي فؤاد شكر، كانت الترتيبات الأخيرة توضع لعقد جلسة المفاوضات في القاهرة للوصول إلى وقف لإطلاق النار. بعيد ساعات من العملية أُعلن عن انتهاء جولة التفاوض من دون الوصول إلى صيغة اتفاق. أعلنت حركة حماس رفضها للمقترحات التي جرى تقديمها من قبل الإسرائيليين. سرّبت مصر أن المفاوضات لم تحقق أي تقدّم. بينما الأميركيون وحدهم أصرّوا على بثّ أجواء إيجابية، ووصفوا الجولة بالبنّاءة. وهو الجو الذي وصفته حماس بأنه مصطنع.
تقطيع الوقت
أصبح واضحاً أن الإدارة الأميركية تركز على مسار "تقطيع الوقت" بالتفاوض، بانتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومنعاً لاتساع الحرب. لا سيما أن تجديد المفاوضات في الخامس عشر من آب كان قد تحدد للجم الردّ الإيراني وردّ حزب الله على استهدافي طهران والضاحية، لأن أي ردّ عنيف أو قوي أو جدّي، كان يمكن أن يدخل المنطقة في حرب واسعة لا تريدها الإدارة الأميركية، التي تسعى إلى تمرير انتخاباتها الرئاسية بحدّ أدنى من التوتر على مستوى الشرق الأوسط. ولكن، مع ترك الإسرائيليين يواصلون عملياتهم العسكرية في قطاع غزة، ليبدو وكأن الغاية من التفاوض هو لجم الجبهات الأخرى المساندة لغزة.
موقف أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، كان متطابقاً مع موقف حركة حماس في تقييم المفاوضات والموقف الأميركي. إذ وصف نصرالله ما يجري بأنه "كذب"، وأن الأميركيين غير جديين في فرض وقف إطلاق النار على إسرائيل. لذلك لم يغب عن لسان نصرالله مسألة ارتباط الردّ وتأجيله بالمسار التفاوضي، والذي كانت واشنطن قد وعدت الكثيرين بأنها ستمارس ضغوطاً جدية على إسرائيل للقبول بالاتفاق. في الموازاة، كانت أميركا ترسل المزيد من حاملات طائراتها وبوارجها العسكرية إلى المنطقة، وذلك بهدف ردع إيران وحلفائها، عن توسيع الجبهات، أو القيام بردّ كبير على إسرائيل قد يستدعي رداً أكبر.
نتنياهو وشروطه
ساهمت هذه الخطوات الأميركية برفع عناصر ردع طهران وحلفائها، كما ساهمت المفاوضات في تبريد الجبهات، لا سيما أن الإعلان عن فشل جولة القاهرة جاء بعد كلام أمين عام الحزب وإعلانه أن الردّ أنجز، وهي جولة يُراد طيها عسكرياً للعودة إلى قواعد الاشتباك القديمة. وبالتالي، فإن ما جرى لم يسهم حتى الآن في فرض وقف النار على الإسرائيليين، الذين ما زالوا يتعنتون ويزيدون الشروط والنقاط. بناء عليه لا يوجد تفاؤل جدي في إمكانية الوصول إلى اتفاق.
عمل نتنياهو على إضافة شروط جديدة، من بينها تمسكه بالإبقاء على الحواجز العسكرية في مختلف مناطق القطاع. ويرفض تقديم أي التزام بوقف إطلاق النار الدائم، رغم وجود صيغة أميركية حول التفاوض على وقف الدائم لإطلاق النار بعد إنجاز المرحلة الأولى من الاتفاق. وبالتالي، المرحلة الثانية غير مضمونة النتائج. كما أن نتنياهو يصرّ على الاحتفاظ بنقاط التفتيش في محور فيلاديلفيا، ويقترح إقامة 14 نقطة تفتيش في هذا المحور. علماً أن الإسرائيليين كانوا قد أبدوا الاستعداد لتسليم مصر أجهزة استشعار للكشف على عمليات التهريب. وهو ما وافق عليه المصريون على أن ينسحب جيش العدو من هناك. ولكن نتنياهو لم يوافق وأصر على الانتشار العسكري. كذلك بالنسبة إلى التمسك بالبقاء في معبر نتساريم وإنشاء نقاط تفتيش أمنية على امتداده، بينما حركة حماس تطالب بالانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من القطاع، وبحرية الحركة للمواطنين الفلسطينيين. كذلك من ضمن التعقيدات التي عمل نتنياهو على دسها في طريق المفاوضات، العودة للتلاعب بأسماء الأسرى الفلسطينيين المراد إطلاق سراحهم.
لا مجال أن تقبل حركة حماس بكل هذه الشروط. وفي الموازاة، لا تزال الأسئلة مطروحة حول مسألة اليوم التالي في غزة. وهناك اتصالات عديدة تجري بين عدد من العواصم لهذا الهدف، حتى أن الزيارة التي ينوي الرئيس الفلسطيني محمود عباس إجراءها إلى غزة تندرج في هذا السياق، فيما تشير مصادر متابعة إلى تكثيف وتيرة التواصل بين حركتي فتح وحماس، للعمل على إنتاج اتفاق فعلي وجدي حول المرحلة التالية لما بعد الحرب.
كل ذلك يقابله إصرار إسرائيلي على مواصلة الحرب، ومساع دولية وإقليمية هدفها تحقيق بعض الهدن المرحلية أو المتتابعة من دون القدرة على إيقاف الحرب ولا جبهات المساندة.