تأخذ أزمة الكهرباء المستمرة منذ ما يُقارب الـ 15 عاماً بُعداً سياسياً صبغها بالفساد، فعجزت كل الوزارات المُتعاقبة عن إيجاد حلّ جذري يُبعد "شبح العتمة" عند كل مفترق عن يوميّات اللبنانيين، فتساقطت كل المُعالجات لأزمة الكهرباء أمام "السرطان المتفشي" في جسد الإدارة اللبنانيّة. في حين لم تُنَفّذ أي خطوة اصلاحية في قطاع الكهرباء، لا سيما تلك التي طرحها الحزب التقدمي الإشتراكي وعقد مؤتمرات عدة مقدّماً أفكاره، لا سيما تشكيل الهيئة الناظمة ووقف الهدر والفساد في القطاع.
وبالنتيجة، يقبع لبنان اليوم داخل عتمة شاملة منذ عدّة أيام متسوّلاً الحلول، فلماذا وصلت الأمور إلى هذا الوضع المتأزّم؟
المحامية والخبيرة القانونية في شؤون الطاقة د. كريستينا أبي حيدر تُشير إلى أنه "عندما تقع المصيبة، نسمع دائماً تقاذفاً للمسؤوليات وهذا ما يحصل اليوم في ملف الكهرباء. لكن، في نهاية المطاف، الجميع يتحمل جزءاً من المسؤولية، خصوصاً وأن كل منهم كان يعلم أننا سنصل إلى هذه النتيجة. من وزير الطاقة، مروراً بمجلس إدارة كهرباء لبنان ممثلاً بالمدير العام، ومجلس النواب الذي لم يجتمع لإرساء الإطار القانوني للفيول العراقي ودفع مستحقاته، وصولاً إلى مجلس الوزراء وكل شخص في موقع المسؤولية نحمّله مسؤولية هذه المشكلة".
وتعتبر أبي حيدر خلال حديث مع جريدة "الأنباء" الإلكترونيّة، أنّ "لبنان ما زال يعتمد على الإستعارة من منشآت النفط لتشغيل المرافق الحيوية. ومنذ ثلاث سنوات نعتمد على مصدر واحد للفيول هو العراقي، وخطورة هذا الموضوع هي في تراكم الديون واحتمال وقف تصدير الفيول إلى لبنان في أي لحظة وهذا حدث الشهر الماضي حين تم تأخير الشحنة بعد كلام وزير الطاقة لحين تم التوصل إلى حل دبلوماسي. أما هذا الشهر، فيقول العراق أن أسباب التأخير لوجستية. بالتالي، الإتكال على مصدر واحد للفيول يعرض الكهرباء إلى تأخير او خلل يوصل البلد إلى العتمة. في الوقت الحالي الفيول العراقي لم يصل بعد وكذلك الـ spot cargo لأن الإجراءات تستغرق وقتاً ولن يحصل عليها لبنان قبل أربعة أيام على الأقل".
وبناءً عليه، تطرح أبي حيدر سلسلة من التساؤلات "هل سيتمكّن لبنان من إستقدام شحنة أخرى عبر الـ spot cargo؟ في ظل الديون المتراكمة مع العراق هل من ضمانات بأنه سيستمر في مد لبنان بالفيول في الأشهر المقبلة؟ هل سترسل الجزائر هبة شهرية (وهذا أمر مستبعد)؟".
وتلفت إلى أن "البلد مقبل على فصل الشتاء والمرافق الحيوية كانت أكثر من تأثّر بإنقطاع الكهرباء لأنها لا تعتمد على الطاقة الشمسية لكن مع اقتراب الشتاء المواطن سيشعر أيضاً بحدة الأزمة"، مضيفةً "لا يمكن الإستمرار بالحلول الترقيعية وبات من الضروري وضع حلول مستدامة لملف الكهرباء ممكن أن تأخذ شكل قوننة العقد مع العراق، ثم فتح مباحثات مع الجزائر التي ترأفت بنا بعد فضيحة الفيول المغشوش عام 2021، علماً أن نتيجة التحقيق لم تصدر منذ 4 سنوات. هذا إلى جانب البحث عن مصادر أخرى ثابتة لإستيراد الفيول. يجب أيضاً التصريح بشفافية عن أموال كهرباء لبنان وديونها إذ يقال أن ديون الجباية تقدّر بـ 500 مليون دولار، في حين أن الجباية مخصخصة ما يطرح علامات استفهام حول الموضوع لا سيما وأن العقود تنتهي في أيلول فما الذي سيحصل بعد هذا التاريخ؟ وما هي المبالغ التي تدفعها كهرباء لبنان للمشغلين، خصوصاً اليوم في ظل تقاذف المسؤوليات لتضييع المسؤول الحقيقي".
أما عن فتح التحقيق في الكهرباء، فترى أبي حيدر أنه "بادرة خير، لكن المهم عدم توقيفه والغوص فيه حتى النهاية للتوصل إلى نتيجة ومعرفة أين وكيف أنفقت الـ 48 مليار دولار".
وتتابع "وزير الطاقة مثلاً صرّح أن التغذية ستعود إلى ما بين 6 إلى 8 ساعات ابتداءً من الاسبوع المقبل. ما هو حلّه؟ صرف المخزون الموجود؟ هذا دليل على التعاطي بخفة مع ملف الكهرباء وبشعبوية وإعلامية. من الأفضل في هذه الحالة البقاء على 4 ساعات مع ضمان إستمرارية عمل المرافق الحيوية، من دون أن ننسى أن وضع البلد الأمني غير مستقر ومُهدّد بالحرب".
وتختم أبي حيدر "الأمل بالحلّ مستبعد لأن مشكلة الكهرباء ليست تقنية، بل سياسية. هذه المعضلة مستعصية كالسرطان فهي عبارة عن موت بطيء متغلغل في البلد. المطلوب التعاطي الجدي مع الملف وفق القوانين من دون رمي كلام عشوائية غير مبني على أطر قانونية ورؤية مستقبلية".