بعد القضاء على مرض شلل الأطفال عالمياً بنسبة 99% منذ العام 1988، تصاعدت المخاوف العالمية من إنتشاره مجدداً بعدما سجلت أول إصابة بفيروس شلل الأطفال في مدينة دير البلح في غزة، لطفل يبلغ من العمر 10 أشهر لم يتلق أي جرعة تحصين، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية.
هذه المخاوف تدق ناقوس الخطر، ما قد ينذر بكارثة في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، وإنعدام توافر البيئة النظيفة للعيش وغياب الخدمات الصحية اللازمة، علماً أن وزارة الصحة في غزة كشفت أن الفحوصات التي أجريت بالتنسيق مع اليونيسيف أظهرت وجود فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي في القطاع، جراء تدمير إسرائيل للبنية التحتية.
وعلى الرغم من الجهود العالمية للقضاء على الفيروس المسبب لهذا المرض، إلا أن الدول التي توقف فيها التحصين لأسباب كحدوث حرب او أزمات إقتصادية هي الأماكن التي يجد في الفيروس فرصة للإنتشار، كما يوضح أخصائي أطفال وحديثي الولادة، الدكتور وليد محمود. ويذّكر محمود بأن حركة التحصين العالمية والبرامج الوطنية للتحصين في كل دول العالم حدت من إنتشار الفيروس وإنخفاض حالات الإصابة وقضي عليه في أغلب الدول الأوروبية والدول المستقرة.
الى ذلك، فإن الدول التي يتواجد فيها المرض، هي أفغانستان وباكستان والهند ونيجيريا، ومؤخراً قطاع غزة.
وتشير أرقام الأمم المتحدة الى أن أكثر من 640 ألف طفل في غزة دون العاشرة يحتاجون آلى أخذ لقاحات ضد شلل الأطفال، وأي قصور في عملية التحصين يعتبر كارثة نظراً لخطور هذا المرض. ويشرح محمود أن "شلل الأطفال هو عبارة فيروس Poliomyelitis تصيب الأطفال التي تصيب الخلايا العصبية في الحبل النخاعي، وجذع المخ، المسؤول عن التحكم بحركة العضلات ما يؤدي الى عدم القدرة على تحريك الأطراف"، مشيراً إلى أن "الإحساس لا يتأثر إنما ما يتأثر هو حركة العضلات".
ويوضح محمود أن النوعان المستخدمان من اللقاحات للوقاية من شلل الأطفال هما فموي وعضلي، وكلاهما آمن.
وفي سياق متصل، الفيروس المنشق من اللقاح الموجود في اللقاح الفموي، الذي يحتوي على الفيروس الحي الضعيف، وقد يكون سبباً لتناقله وتحوره وذلك فقط في ظل قصور في التحصين، وحصول ذلك يحتاج الى فترة طويلة وليس خلال أيام قليلة، كما يقول محمود.
في ظل الظروف الراهنة هذا هو المشهد الوبائي الذي تعيشه غزة، إذ بحسب موقع مجلة "ساينس"، إن الفيروس الذي رُصد في غزة، ليس بالتحديد فيروس شلل الأطفال البري، إنما فيروس شبيه ناتج عن اللقاح، يُعرف بإسم فيروس شلل الأطفال المشتق من اللقاح من النوع 2.
ماذا عن مناعة لبنان؟
حول إحتمالية وصول المرض الى لبنان، يرى محمود أنه لا يوجد إحتكاك مباشر مع غزة، إنما لدينا دول مشتركة وحركة إنتقال بيننا وبين هذه الدول، سيما لو كانت إحتمالية وصوله قليلة لكن ذلك يدفعنا الى أن ندق ناقوس الخطر والتأكيد على التحصين المجتمعي وحصول الأطفال على اللقاحات في مواقيتها الصحيحة.
ويوضح محمود أن "اللقاح العضلي فيه فيروس معّطل لا يؤدي الى تحور أو إنتشار وهو ما يستخدم في لبنان في أكثر العيادات والمستوصفات".
ويعيد محمود التأكيد والتشديد على أن الإنضباط وعدم الإستهتار بمواقيت اللقاحات وفق الجدول المحدد على عمر الشهرين والأربعة أشهر والسته أشهر و18 شهراً و4-5 سنوات، وهو التدبير الوقائي الأسلم للوقايه من إصابة الأطفال بالمرض وحتى حدوث تحورات في الفيروس.
ويؤكد محمود أن اللقاح متوافر في لبنان في المستوصفات والمراكز الصحية، منبهاً من يرفض تلقيح أطفاله لأسباب معينة لما لذلك من تأثير على تحصين ومناعة أطفاله من الإصابة.
عوارض وخطر الموت
يصيب فيروس Poliomyelitis الأطفال بالدرجة الأولى. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية ينتقل الفيروس من شخص لآخر عن طريق البراز، إنما وبصورة أقل عن طريق وسيلة مشتركة كالمياه أو الأطعمة الملوثة ويتكاثر في الأمعاء. أما درجة قوة الإصابة فمنها المعتدل ومنها الخطر. ويلفت محمود الى أن "5% من النوع المعتدل أعراضه كأعراض الإصابة بالإنفلونزا، وتستمر ليومين أو ثلاث كإرتفاع في حرارة الجسم، ألم في المفاصل، ألم عضلات، صداع، التهاب في الحلق، فقدان شهية، تقيؤ ولعيان، والم في المعدة".
أما الحالات الأخطر نسبتها 1% وفق محمود، وهي من أخطر الأشكال وتتسبب بشلل وألم في الرقبة وتصلّب في القدمين واليدين والعمود الفقري والرقبة وضعف في العضل وصداع وأحيانا ضيق في النفس وقد تصل الى توقف التنفس والموت.
فيما النوع الثالث الذي يشير إليه محمود يُحدث ألماً شديد وتحسساً في الجلد وتنميل وخز وتشنجات عضلية وضعف في العضلات وشلل في الأطراف.
في المحصّلة، درهم وقاية خير من قنطار علاج، وسلامة الأطفال يجب أن تكون أولوية. أما أطفال غزة لم يستهدفهم العدو بقنابله القاتلة فسحب، فالقنابل الجرثومية والوبائية كان سلاحه الأفتك الذي لا يهدد فقط غزة، لا بل العالم بأسره والطفولة.