لطالما اعتمد حزب الله في استراتيجياته لعبة "الحفر بالرموز". يعرف جيداً كيف يستخدم "العبارة"، "الصورة" أو "الفيديو"، فيسوقها وفق توقيت يختاره، لتتحول إلى محطّة لها ما قبلها وما بعدها. وهي غالباً ما تكون متعددة الاتجاهات: لبيئته الحاضنة، البيئة اللبنانية، إسرائيل، العالم العربي والقوى الدولية. يُعتبر حزب الله أكثر من يَتقن فنّ الحرب النفسية، بما يعود إيجاباً بشكل كبير على بيئته وجمهوره، ويعزز من موقعه التفاوضي وصورته العسكرية والسياسية، وما يضع عدوه أمام حسابات متضاربة وكثيرة القلق والهوس. كان قد فعل ذلك في فيديوهات "الهدهد"، لكن ضربته الأقوى كانت في فيديو "عماد 4".
استعراض عناصر القوة
يحمل الشريط رسائل كثيرة، أولها، حجم المنشأة الكبير والمتفرع باتجاهات متعددة. ما يعني أن أنفاق الحزب أو "مدنه" القائمة تحت الأرض قادرة على الوصل بين مناطق وأخرى أو قضاء وآخر. ثانيها، الحجم التحصيني الذي يتعزز بفعل الحفر في بواطن الجبال، لا سيما أن الطبيعة الصخرية التي يظهرها الفيديو تبدو أنها صعبة الاختراق بالسلاح العادي. إذ أن المنشأة تبدو وكأنها محفورة بالصخر لا مبنية بالإسمنت المسلّح. بذلك يقول حزب الله للإسرائيليين إنه ليس بإمكانهم تدمير هذه المنشآت ومخزوناتها، وأن ترسانة السلاح لديه بأمان عن كل الغارات والضربات والاستهدافات.
أما لجهة التوقيت، فأولاً نشر حزب الله الفيديو بعد يومين على ادعاء الإسرائيليين البدء باستخدام قنابل مدمّرة للتحصينات في كفركلا، وبعد قولهم إنهم يعمدون إلى تدمير البنى التحتية والأنفاق التي يمتلكها الحزب، ليظهر الفيديو صعوبة تحقيق ذلك، بسبب طبيعة المنشآت التي يقيمها تحت الأرض. ثانياً، تأتي على وقع المفاوضات الدائرة في الدوحة للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وبذلك يلجأ الحزب إلى استعراض عناصر القوة لديه كتهديد للإسرائيليين، لردعهم عن التفكير بفرط عقد المفاوضات، رغبةً بالتصعيد العسكري وتوسيع الحرب. ثالثاً، يوجه الحزب رسالة استباقية حول مصير الجبهة في حال اختار الإسرائيليون شنّ حرب عليه في لبنان.
الرد على الرسائل
في السياسة، لم يكن التوقيت بعيداً عن مضمون الزيارات الديبلوماسية إلى لبنان، من زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، وبعدهما وزير خارجية مصر بدر عبد المعطي. لا سيما ان كل الموفدين يحملون رسائل تحذير وتهديد من مغبة عدم التوصل إلى اتفاق ديبلوماسي لوقف الحرب، ومن أن إسرائيل ستعمل على شنّ حرب كبرى وتدميرية ضد أهداف لحزب الله ولبنان. الأهم، أن الحزب ردّ في هذا الفيديو على ما أوصله الإسرائيليون من رسائل تهديد حول الاستعداد خلال ساعات قليلة لتنفيذ ضربات جوية واسعة لغالبية مواقع ومراكز ومخازن الحزب وتدميرها. وهو بذلك أراد القول إن الادعاءات الإسرائيلية غير جدية، ولن يكون لدى تل أبيب قدرة على تدمير مخازن وتحصينات الحزب.
بعد كل جولة لمسؤولين دوليين إلى لبنان يحملون رسائل تحذيرية أو مهددة، كان حزب الله يردّ على طريقته بنشر أحد الفيديوهات. وقد بدأ ذلك بالتزامن مع زيارة سابقة لهوكشتاين، وبعدما نقل تهديدات، نشر الحزب بعد ساعات قليلة فيديو الهدهد 1 ليظهر الأهداف الاستراتيجية في إسرائيل والقادر على إصابتها. فيديو "عماد 4" نشره الحزب بعد مغادرة هوكشتاين ووزير خارجية فرنسا، مع ما يحمله من إشارة بأن الحزب لا يخاف التهديدات والتحذيرات، وأنه جاهز للحرب إذا فرضت عليه.
وضع إسرائيل بمأزق
لكن أهم ما تحمله رسالة الفيديو هي إشعار الإسرائيليين بتهديد حقيقي ووضعهم في مأزق. فكشف حزب الله عن بعض مما لديه من تحصينات وأسلحة وقدرات، يجعل من الصعب على إسرائيل اتخاذ قرار بشنّ حرب واسعة على لبنان. كما أن هذه الحرب ستكون مكلفة للغاية وغير مضمونة النتائج. وبالتالي، ستكون إسرائيل في أزمة حول كيفية التعاطي مع هذه الترسانة.
من جهة أخرى، سيبقى الإسرائيليون على قلق كبير بفعل ما يمتلكه الحزب من أسلحة وقدرات قريبة جداً من الحدود، ولا أحد يعلم بهذه المنشآت تحت الأرض أو الأنفاق، وأين تبدأ وأين تنتهي.
إشارة أخيرة، الفيديو يقدّم أفضل جواب على كل التساؤلات المطروحة حول الاتفاق الديبلوماسي وكيفية تطبيق القرار 1701. إذ يجيب الفيديو بوضوح بأنه حين يأتي الهدوء والاستقرار، فإن السلاح يبقى في هذه التحصينات التي تمتد في جنوب الليطاني وشماله، ولكنها لا تظهر للعلن ولن يكون هناك حاجة لاستعمالها.