إن أعددتها أعددت منبراً سيداً جيد الأعراق، هو السيف ذو الحدين، الخصم والحكم، إنه أثير ميادين الصحافة ووسائل الإعلام، هي شفافة بشفافية عدسة الواقع كما هو، صافية الرؤية وتحليل يخاطب الحقيقة تضفي المصداقية على الحدث، فالعدسة نفسها، لكن ضبابية التشويه والإفتراء وعدم الأمانة في نقل الخبر على صحته، يجعلها مضَلِّلة اللون، يطلق عليها الصحافة الصفراء، قد يكون الرأي معارض مغاير أو غير مؤيد لفريق أو جهة أو حزب، لكن لا يمكنه أن يغاير الحقيقة بواقعيتها أو يجافي حقيقتها بتغييرها وتزويرها، فحدِّنا يقف عند حدود الآخرين، لا للتجاوز أو التجريح، هي البناءة والهدامة معاً.
حرية الديمقراطية عماد المجتمعات العلمانية التي تصارع الرجعية، ذات الأبعاد النظامية والرؤى البنيوية المستقبلية، فحرية إبداء الرأي والإعلام حق مكرس في الدستور اللبناني والمعاهدات والمواثيق الدولية، أداة جوهرية لقمع القمع، أسس الحرية الفردية، لتنمية العقول وبسط أفكارها خطط عملانية، تترجم أفعالاً ومشاريعاً ومصالحاً تعلي الشأن الخاص والعام.
الحرية جهاد، "لا حرية ولا تقدم من دون وعي"، مبدأ تقدمي للمعلم لنهضوية مسار الإنسان، فمحوريته عنصر الأساس لقيام الدولة الصحيحة وبقدر ما تخدمه، فالدولة ترتكز على الديمقراطية والعدالة والرخاء والسلم والحرية والمبادرة الفردية، مما جعل شعار الحزب التقدمي: حرية عروبة اشتراكية، ولتجسيد هذه المبادىء وإيصالها للبيئة اللبنانية والعربية، تأسست الأنباء في السادس عشر من 1951، جريدة ووثيقة حرة توثق الأحداث، اشتراكية الهوى في الأمة العربية، لبنانية الهوية.
تجدر الإشارة إلى مقاربتين لافتتين، الاولى بين شعار العلم الإشتراكي وهو المعول والريشة، وبين ما ورد في النشيد اللبناني "سيفنا والقلم"، كلاهما يصبان في نفس الجوهر والصلب والخلاصة، بالريشة والقلم يُكتب العلم والمعرفة، هي السلاح الذي يمجد ويخلد ثورة النضال وسيف الحق، وصمود أرض الفلاح، والمقاربة أو ربما المفارقة الثانية، هي السادس عشر من آذار، تأسيس الأنباء وتاريخ استشهاد المعلم، أهي صدفة القدر ، او تصفية الغدر، أراد إسكات صوت الحق الصارخ الثائر لا للإضطهاد والوصاية والإحتلال، يقيم توازناً علمانياً لا يصطدم ومحسوبيات الطوائف، أراد أن يكسر قلم الفكر والإصلاح، كي لا يدوم ألم الإستبداد والإجرام، ليطفأ نور الحقيقة، وهل أُطفأت!؟، بقي الكمال حياً فينا وينتصر. وبقيت مبادؤه ومفاهيمه سيرة ومسيرة، وبقيت الأنباء، دليل نموذجي على مقاومة الترهيب، قلم حر في خدمة الوطن.
من هنا كانت الإنطلاقة، لنُطلق تحية وإشادة وثناء لكل قلم حر لا يخضع لترهيب، لا يجف وفيه حبر الحق حي نابض بالحقيقة، لديمقراطية الرأي، وحس المسؤولية، وحرية القرار، ولكل إعلام يرصد الوقائع دون تزوير، او تعمية على الحقائق، هي التحية "لمهنة المتاعب"، والمخاطر،هي جندي ميدان السلم والحرب، لا سيما في هذه الظروف القاسية والدامية، وما يتعرض له الصحافيون من إعتداءات وتهديد، تحية لشهداء الصحافة، رغم أنهم كانوا يرتدون درع كتب عليه صحافة، لانه لا يراد توثيق عدوان تقاوى على الأطفال النساء والحجر.
الحرية ضرورة مجتمعية أنقاذية إنمائية، وحرية الصحافة واجب وحق مكتسب، لا يشتريه مضلل، "الحرية الديمقراطية تتكون من إعلام صادق ورأي عام سليم"، هنا الكلام للمعلم وبه ننجز الختام.