أصبح من شبه المستحيل، فصل مسارات المنطقة عن بعضها البعض، وخصوصاً جبهتي غزة ولبنان. حتّى الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية سلّمت بأنه لا وقف للجبهة اللبنانية من دون وقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الحرب. يستمر التكامل السياسي بين الجبهتين مع ساحات أخرى في المنطقة، طالما أن إيران ملزمة بالردّ على استهداف عاصمتها، وحركة حماس ملزمة بالردّ على اغتيال رئيس مكتبها السياسي، وحزب الله ملزم بالردّ على ضرب الضاحية الجنوبية لبيروت، والحوثيين ملزمين بالردّ على استهداف الحديدة. وبالتالي، فالمنطقة كلها بانتظار هذه الردود، وإذا ما ستكون منفصلة أم منسقة ومتزامنة. وعلى إثرها لا بد من ترقّب لرد الفعل الإسرائيلي.
في الموازاة تتواصل المحاولات والمساعي الديبلوماسية للوصول إلى صيغة لا تسهم في انفجار الوضع في المنطقة، علماً أن لا أحد قادراً على تحصيل موقف إيراني واضح حول آلية الردّ ومداه، بالإضافة إلى صعوبة التفاوض مع الإسرائيليين ورئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو. خطوط التواصل مفتوحة أيضاً مع حزب الله بهدف التهدئة وخفض التصعيد، لكنها لم تصل إلى أي نتيجة. والحزب لم يقدّم حتى الآن أي إجابة أو إشارة حول ماهيّة ردّه. هذا، في مقابل الإعلانات المتوالية للإسرائيليين حول الجهوزية الدفاعية والهجومية، وبموازاة الإعلانات المتكررة لدول وسفارات حول وجوب إخراج رعاياها من لبنان والتحضير لخطط الإجلاء، ما يضفي جواً يرفع منسوب الخوف والتوتر.
تناغم الحزب وحماس
ولكن كما هو الحال بالنسبة إلى التكامل العسكري بين الجبهات، هناك تكامل سياسي بدأ يظهر في أكثر من مؤشّر. وخصوصاً التزامن بين الموقف الذي أدلى به أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وتأكيده حول حتمية الردّ، واشتراطه وقف الحرب على غزة، مع تقديم خطاب "مخفف" نسبياً بالمعنى السياسي، إذ ألقى كل مسؤولية التصعيد على الإسرائيليين.. وبين اختيار حركة حماس رئيساً لمكتبها السياسي يحيى السنوار، وهو الذي يعتبر مسؤولاً عن قرار 7 تشرين الأول. إنها خطوة سياسية أقدمت عليها حماس لأكثر من هدف وبأكثر من دافع، أهمّها، عودة حماس إلى ما قبل 7 تشرين. وبالتالي، هي تريد أن تتجاوز سياسياً كل التركيز الإسرائيلي على السنوار وتحميله المسؤولية. وثانياً، هي محاولة ردّ على كل ما كان يُساق حول "إنشقاقات" أو اختلافات أو تباينات في صفوف الحركة. ثالثها، توحيد ومركزة القرار السياسي والعسكري داخل غزة. رابعها، عدم تحميل أطراف أخرى أي مسؤولية بالمعنى السياسي أو العسكري. وبالتالي، مواجهة الحملات التي كانت تُشنّ. خامسها، الردّ على الإغتيال السياسي بالخيار المازج ما بين السياسي والعسكري على مستوى القرار داخل الحركة. سادسها، أن السنوار ومنذ عودته إلى غزة عمل على اعتماد سياسة الانفتاح على كل الفصائل الفلسطينية وسعى لإعادة توحيد الصف الفلسطيني، كما أن علاقاته مع جهات خارجية جيدة، ومع قوى متعددة ومتناقضة.
السياسي والميداني
كان التناغم واضحاً بين حماس والحزب، إذ بعيد الإعلان عن اختيار السنوار رئيساً للحركة، صدر بيان الحزب المبارك والمرحّب، والذي يشرح الكثير من التفاصيل حول استكمال مسار المعركة العسكرية في مواجهة كل التعنّت الإسرائيلي. وقد جاء ذلك بعد ساعات على كلام نصرالله الذي تحدّث عن الروية والتأني في اختيار الردّ والهدف. وسط معلومات من داخل الحزب تشير إلى أن الردّ سيكون قريباً وقوياً، وأن نصرالله تقصّد الظهور بالصورة التي ظهر بها كنوع من الموازنة ما بين "الجانب السياسي" و"الجانب الميداني"، لا سيما أنه كرر عبارة "بيننا وبينكم الميدان والأيام والليالي". وهنا لا يمكن إغفال كلمة نصرالله حول مصيرية المعركة في رسم ملامح المنطقة وتحديد مصيرها، ما يعني أن المعركة ستكون طويلة.
على المستوى اللبناني فإن حزب الله لا يزال يعمل وكأن الحرب واقعة حتماً، بغض النظر عن التقديرات التي تشير إلى استبعادها. فالمعطيات تؤكد جهوزية الحزب لكل السيناريوهات بدءاً من الردّ وما قد يأتي بعده. خصوصاً أن الإسرائيليين ما زالوا يبحثون في بنك أهدافهم كما يعملون على اصطناع جو ترهيبي للبنانيين، من خلال مواصلة خرق جدار الصوت فوق العاصمة بيروت والضاحية الجنوبية، علماً أن بنك الأهداف الإسرائيلي، حسب ما نقلت رسائل ديبلوماسية وصلت إلى لبنان، يشمل الضاحية في حال اختار حزب الله التصعيد. وهي رسائل يضعها الحزب في خانة المزيد من التهويل بهدف دفعه إلى مجانبة الردّ. وهو ما لا يمكن أن يقبل به كي لا يتم كسر القواعد التي يريد فرضها حول الضاحية. أمام كل هذه الأجواء وفي ظل عدم القدرة على الوصول الدولي إلى صيغة "اتفاق" على الضربة والردّ عليها، فلا تزال الجهات الخارجية تضع في حسبانها سيناريو الأيام القتالية أو جولة من الضربات المضادة.