الانبثاق والتجلي في لوحة الفنان شوقي دلال
07 آب 2024
08:08
Article Content
منذ عقود يستمر الفيض الشقدلالي ودون توقف، يتحف الرؤية الفنية بحروفيات ثرية، ويخلق عوالم جديدة من بلوريات لونية وزركشات خطوطية وسطورية قلّ إن حفلت بها مدارس الفن التشكيلي الممهورة ابداعاتها بأسماء لامعة لعمالقة كبار.
لكن الفنان الدكتور شوقي دلال يطل في هذه اللوحة بحروفية مختلفة، وهو المتيّم بالجغرافية والتاريخ والتراث الحرموني، والمولع بالقداسة التي تغمر ثرى ارضٍ أنيس، وتقيم مناسكها الدهرية على مواطىء أقدام النبيين والاولياء والقديسين والاصفياء، الذين تسكن إليهم النفوس حين تتوق الى مأدبة الاشباع من جوع أو الى بر الأمان الايماني من خوف وجود.
العارف بخوالج الريشة الشقدلالية يستطيع أن يستدل في نسيج هذا العمل الفني الما فوق ارضي، الى تجليات ثلاثة، كأنما هي اقانيم ثلاثة في الحروف المنثورة على امداء النور من حرمون، حيث معراج وسراج، اما التجلي الأول فهو، في ما يتعدى الابجدية المكتوبة على الصحائف المكنونة، هو انبثاقة الكون من النور الازلي، حيث تبدو الى الناظر في اللوحة النقطة البيضوية الأولى التي يتلازم ظهورها والكلمة "كن" ليتمشهد في هذا الظهور سيد النور الكلي على مرأى تجليه في سفح حرمون الشاهق المقدس، فيتسامى المشهد علويا في ثوب المسيح، بلون سماوي في حضرة النور، حيث يرتفع الترابي الى الاثيري، وحيث يرتفع الحس من الأبصار الى الاصغاء. وهنا تتميز الحروفية الشقدلالية بكونها ترتقي الى ترنيمات ذوقية تترجم أناجيل لبنان، بما فيها من قيامة الانسان وتوقه الى جنان مناحل العطاء، تجري من تحتها نهور السعادة بألوانها العسلية والطحلبية والبهارية، وتطفو عليها هيكلة ترابية ترنو الى انبثاقة الكون بعين تخلو من عنبية وانسان وجليدية، لتعلو أهازيج الرياح في جباله الثلجية والارزية الازلية، كي تملأ الدنيا بأنغام متسقة والكلمة الأولى، وهنا يظهر لنا التجلي الثاني للمسيح الكلمة، الذي يمثل اقنومه الحرموني أقراص ملكات الغذاء الروحي لمجموع سكان الأرض، التي تظهر اللوحة براعة لامتناهية، حين تغلف النسيج الجيولوجي للتراكم الصخوري الترابي بأقراص شمعية، كأنما أعدت لتناول مأدبة المعرفة. اما التجلي الثالث الذي يتراءى إلينا في هذه الحروفيات الكنعانية، ان الفنان الدكتور شوقي دلال قد تمكن، وهو الشغوف التوحيدي في ملتقى الأديان، من توسعة أمداء التجلي الثاني لتشمل كل ارجاء الهلال الخصيب بما فيها من أفانين الجمال وتلاوين الجلال، فتبدو لنا انفراجة القداسة بما يشبه السطوع النوراني على مساحات تتمدد جنائن جذلى، ومراقي مثلى، لشوق سامق وحب طارق أبواب المنى، وجبل شاهق بقدس وأقداس يترجم بها التجلي على منافذ الرؤية الى اللقيا..
*البروفيسور شوقي ابو لطيف اديب ومفكر واستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية
...
اللوحة تحاكي حادثة تجلي السيد المسيح (ع) على جبل حرمون
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.






