Advertise here

أزمات العهود في لبنان

31 تموز 2019 17:18:34

قطع طرقات، يوم هلع وضحايا سقطوا. فما الحدث؟ حادثة قبرشمون- البساتين وقد مر عليها ما يقارب الأربعة أسابيع، تصاعد في حدة الخطاب دون صدى سوى في تفكير من أقنعوا أنفسهم أنّهم الحق والعدالة في مشهد ينقصه من وجهة نظرهم أن تُنفَذ أقصى العقوبات في حقّ كل من يختلف معهم في قرارٍ مسبق في ظاهره إنفعالي محلي أما في باطنه يعود لأزمة رئاسية بامتياز غير منفصلة عن الواقع الإقليمي. 

من الواضح أنَ المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط ضخمة ولا يزال ينتج عنها تداعيات كبرى يعيش لبنان من خلال نظامه السياسي تبعاتها وارتداداتها عليه، بدءاً من الأزمة السورية وصولاً إلى إيران. 

ففي ظل تنامي فكرة حكم الأقليات في دويلات متنافرة متناحرة وفي ظل المؤشِر الأميركي-الإسرائيلي المعلن حول يهودية إسرائيل عبر تهويد القدس وضم الجولان وصفقة القرن للقضاء على القضية الفلسطينية وإنهاء كل معاني الأمة العربية، نجد القرائن التي لا يمكن عزلها عن واقع النظام السياسي اللبناني الهش في ثبات انتظام مؤسساته الدستورية  والتنفيذية، والعصي في وجه أي شكل من أشكال التطوير في ظل توافق عصبي بين أهل النظام أدّى إلى ترسيخ سلطة البزنس وإقتصاد الكازينو القائم على تقاسم منافع السلطة بين القوى المذهبية.

وبالعودة إلى أزمات رئاسات لبنان، فنستذكر ما قبل اتفاق الطائف الخلاف مع كميل شمعون الرائد في حلف بغداد والذي أشرف على الإنتخابات الشهيرة فكانت ثورة 1957 \1958، ناهيك عن أزمات الشهابية عبر المكتب الثاني وصولا إلى الحرب الأهلية عام 1975. 

أمّا بعد اتفاق الطائف فنجد أن أزمات الرئاسة لم تتوقف، باستثناء مرحلة الرئيس الياس الهراوي، فكان مجيء عدّة رؤساء من المؤسّسة العسكرية-إميل لحود وميشال سليمان- حتى وصول الرئيس الجنرال ميشال عون، مما يطرح تساؤلا حول منشأ الرؤساء القادمين في لبنان؟

أما الآن، فنلحظ أنّ المرحلة القادمة من الرئاسة الحالية باتت، قاب قوسين، تشكِل معبراً للرئاسة المقبلة في مسعىً يعتبره رئيس التيار الوطني الحر مصيريا وحتميا لإغلاق الأبواب أمام كل من تسوغ لنفسه الرئاسة الأولى، فيعتبر جبران باسيل العهد عهده ويُنجِز العهد فقط من خلال التمهيد لتبوئه الرئاسة بعد ثلاث سنوات، وإلاّ أين العبرة في القطيعة مع الحليف الإستراتيجي سليمان فرنجية؟

أمّا على صعيد التعاطي مع الجنبلاطية السياسية المتجذرة في وجدان الطائفة الدرزية الكريمة، طائفة الموحدين التي تشكِل منذ مئات السنين مكوِنا أساسياً ومفصليا في المنطقة خاضت الكثير من الثورات فكانت من مستنهضي الوعي العروبي في وجه الإستعمار ومن أولى حاملي لواء فلسطين العربية. 

أمّا تجربة كمال جنبلاط الزعيم الوطني العروبي، صديق جمال عبد الناصر، المُلهِم في استنباط أنموذج رجل الدولة المُدرِك لعمق التعددية الطائفية في جمهورية لبنان الحديث، فقد تجلّت عبر إنشاء الحزب التقدمي الإشتراكي وبزوغ فجر المعلِم كمال الذي من تجربته نهتدي وعبر فكره تصدح أصواتنا وتلمع بيارقنا وتتوقّد عزيمتنا.  

هكذا تتماهى باختصار الجنبلاطية السياسية ودار المختارة المسكونتان بالتاريخ مع نسيج البنية الدرزية وكذلك تتظهّر في وعي العديد من المكوِنات اللبنانية بعيدا عن كل محاولات التشويش والإلتفاف المُمنهَج على الحقائق على مدى عقود.


وإذا عدنا إلى ما قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة، نلحظ الخطاب الذي اعتمِد عن الركائز والهوامش في السياسة اللبنانية وتلاه تناول الميثاقية في إطار عدم حصرية التمثيل الدرزي بوزراء لجنبلاط متناسين أنّ الميثاقية لا تربَط بمواقع وزارية ونيابية بل بتمثيل جماهيري عريض لا يمكن حصر شرعيته ومشاركته في القرار فقط بمواقع سياسية في مختلف مؤسّسات الدولة. 

إستطراداً لو شُكِلت حكومة من 24 وزيراً وحصل المُكوِن الدرزي على وزيرين، فأين كانت حجّة الميثاقية؟ 

فإذاً يبدو أنّ العمل جارٍ على محاصرة الجنبلاطية السياسية وما الخطاب المتّبع من فريق أرسلان- باسيل إلاّ تمهيداً لازدياد هذا النمط من تحريف الوقائع وتشويه الأحجام.

 أمّا بعد، فلم يعد ممكناً إغفال المنطق المتّبع التحريضي، الفتنوي بين أهل الوطن والفئوي على مستوى مؤسّسات الدولة كما يتبيّن من خلال الإلتفاف بشكلٍ واضح وصريح عبر جبران باسيل على اتفاق الطائف من خلال تكريس المناصفة في كل فئات الدولة بدلاً من الإستفادة من العهد القوي والدعوة العاجلة إلى تطبيق اتّفاق الطائف الذي يشكل دستور جمهورية لبنان، بل أكثر من ذلك فقد أدّى إلى إيقاف الحرب الأهلية في 1989 وسمح بوضع آلية واضحة لوطُبِقت لانتقلت البلاد إلى دولة مدنية تكون المواطنة الرافعة الأساسية في استنهاضها.
من النافل القول لمن يحترف السياسة بضرورة قراءة المتغيرات ولكن على رئيس التيار الوطني الحر أن لا يقرأ بفائض من الأوهام الوردية في مرآة الذات والدموية في واقع الحال. لا يمكن عودة المارونية السياسية، لقد تغيَرت الظروف فلنذهب إلى المواطنة الحقيقية التي ندعو رئيس الجمهورية أن يكون المعبر الأساس لها في عهده الذي يقوى بإنجازاته وبذلك يصبح وقف العد مجديا بين مواطنين ذوي قيمة معنوية وليس بين أفراد ذوي قيمة عددية.

أخيراً، نقول للواهمين لم ولن نكون ممّن يخلوا الساحات فالحياة للأقوياء في نفوسهم. كذلك أدعو إلى أن تكون مجريات الأحداث محفِزاً إضافيا لتفعيل آليات عمل كل مؤسسات الحزب على مستوى كل الوطن، فقال الوليد: إنهضوا وتجددوا. 

*أكاديمي وكاتب لبناني، عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي