وصل الوضع في المنطقة إلى حافة التصعيد الإقليمي الكبير. إنها اللحظة الأخطر منذ عملية طوفان الأقصى. لا سيما أن المواجهة بين إسرائيل والحوثيين تمتد على آلاف الكيلومترات. لكن التصعيد الذي أقدم عليه الحوثيون باستهداف تل أبيب، يندرج في سياق الردّ عن الجبهات الأخرى. ولذلك، تصدّر الحوثيون المشهد، وسط ترقّب لكيفية ردّهم على استهداف ميناء الحديدة وخزانات النفط فيه.
أسلوب التصعيد
في الأساس، الاستراتيجية الإيرانية المتبعة مؤخراً كانت تركز على التصعيد لمنع التصعيد. وبعد فشل كل محاولات وقف إطلاق النار، وعدم موافقة إسرائيل على الصفقة، كان لا بد من الضغط عليها عسكرياً لإجبارها على وقف النار.
يتبع الإيرانيون وحلفاؤهم المنطق نفسه الذي يعتمده نتنياهو. فالأخير، وبعدما وافق على بنود الصفقة ولمس تنازلات قدمتها حركة حماس، عاد ووضع شروطاً إضافية، معتبراً أن زيادة الضغط العسكري ستدفع حماس للتنازل أكثر. وهذا ما أقدم عليه من خلال مجزرة المواصي ومحاولة اغتيال القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف.
في المقابل، لجأت طهران إلى الأسلوب نفسه بتصعيد العمليات والمواجهات ضد الإسرائيليين، وصولاً إلى استهداف تل أبيب.
بالعودة إلى تفاصيل العملية التي جرت، فلا بد من الإشارة إلى أنه تم إطلاق أكثر من مسيّرة باتجاه اسرائيل، إحداها من العراق، وثانيها من لبنان، وثالثها من اليمن، في محاولة لإشغال الدفاعات الإسرائيلية. وهذا يؤكد حجم التكامل والتنسيق بين قوى محور المقاومة.
ترابط الجبهات
بهذه المعادلة، أصبح السؤال المطروح إذا كان اليمن سيحّل بدلاً من لبنان في سلّم أولويات المواجهة. خصوصاً أن إسرائيل لجأت إلى الردّ مباشرة على الحوثيين، ولم تنتظر الردّ الأميركي أو البريطاني. في حال استمرت الضربات والضربات المضادة بين إسرائيل والحوثيين، فذلك يعني أن المنطقة ستشهد المزيد من التصعيد، وسط ترابط الجبهات. لا سيما أن الدخول الحوثي على الخطّ باستهداف تل أبيب هو جزء من التدخل بدلاً من الحزب، لأن عملية الحوثيين جاءت بعد تصعيد إسرائيلي ضد حزب الله في جنوب لبنان.
أصبحت المعادلة التي تضعها إيران واضحة، وهي ممارسة التصعيد لأقصى درجاته لإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار، مع انتظار ما يمكن أن تحققه زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة، وإذا كانت الإدارة الأميركية ستقنعه بوقف النار. أما في حال استمرت الحرب، فلا بد أن التصعيد الإقليمي سيكون هو الخيار الأوحد. هنا، لا بد من العودة إلى معادلة أساسية وضعها حزب الله. إذ بعد شهر من الحرب على غزة، خرج أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله في أول خطاب له، وأعلن أن حزب الله دخل في جبهة الإسناد، وأن تطورات الوضع في جنوب لبنان ترتبط بتطورات الوضع الميداني في غزة، وأن الهدف الأساسي هو عدم نجاح إسرائيل في كسر المقاومة الفلسطينية في القطاع.
مساعٍ أميركية
حسب المعطيات لدى حزب الله، فإن الضغط الإسرائيلي المتزايد في غزة، وتكثيف المجازر يهدف إلى تحقيق انكسار عسكري في صفوف المقاومة الفلسطينية. وهذا ما لا يريد الحزب وإيران السماح به. ولذلك، فإن استمرار العمليات الإسرائيلية سيقابلها المزيد من التصعيد عبر الجبهات المختلفة. عملياً، فإن مسار المعارك يرتبط بالردّ والردّ المضاد، وفق ما تقول مصادر قريبة من محور المقاومة. ففي حال كانت الردود محسوبة، يعني ذلك خلق قواعد اشتباك مشابهة لقواعد الاشتباك القائمة في لبنان. أما في حال لم تكن الضربات محسوبة، فإن الحرب ستتوسع تلقائياً.
المخرج الوحيد لتجنب هذا التصعيد، هو وقف إطلاق النار الفوري في غزة. وفي حال لم يتم وقف إطلاق النار بشكل فوري ونهائي، فإن الحرب ستكون حتمية. ولا تخفي المصادر ذاتها أن هناك صعوبات تواجهها أميركا في فرض وقف إطلاق النار على إسرائيل، ما يترك الأمور مرشحة للتصعيد. بينما تكشف مصادر ديبلوماسية غربية عن بروز مساعٍ أميركية لتكريس قواعد اشتباك حول الوضع في اليمن ومنع التصعيد. وتؤكد المعلومات أن قنوات التواصل الإيرانية الأميركية قد تفعّلت بعد استهداف الحديدة، بشكل متسارع وعبر قنوات متعددة، وبينها قنوات مباشرة، بهدف تخفيف حدة التوتر.