مداميك التضحيات بناها كل مكوّنات البلد... والتصنيف الطائفي خطير
11 يوليو 2024
17:17
Article Content
لم يكن ينقص لبنان في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه السياسي إلا عودة نظريات التقسيم، بشعارات كالفدرالية، أو تسميات كـ "المؤسسين للكيان".
وإذا كان التقسيم في جوهره خطر كبير على فكرة التنوع وأساس وجود لبنان، فإن الأخطر أن هذا المنطق المستعاد يستحضر التصنيف الطائفي والمذهبي والمناطقي المقيت للشعب اللبناني، وكأن اللبنانيين منحوا هؤلاء الحق بتحديد انتماءاتهم، وفي أي "زاروب فدرالي" يجب أن يعيشوا فيه.
نهج غريب وصل بأصحابه إلى حد توزيع شهادات بالوطنية والهوية اللبنانية، وحصر التضحيات بهذه الطائفة أو تلك، والعودة إلى محطات تاريخية لم تعد تشبه واقع حال البلد، ولا المتغيرات الجيوسياسية التي شهدها البلد منذ إعلان دولة لبنان الكبير حتى اليوم. وكأن في لبنان طوائف فئة أولى وفئة ثانية وثالثة، فيما الواقع أن كل المكونات الروحية والسياسية في هذا البلد وضعت جميعها مداميكا من التضحيات في بنيانه، ولو بفارق زمني ومكاني وسببي.
وإزاء هؤلاء المتنطحين في المزايدات الطائفية ومحاولاتهم استدرار عطف شعبي هنا وهناك ولو حساب على السلم الأهلي وروحية لبنان، يبدو لزاماً إعادة تذكيرهم بأن لبنان دفع آلاف الشهداء من كل الطوائف والمذاهب قبل الوصول إلى اتفاق الطائف الذي وضع حدّاً للحرب الأهلية وأعاد إرساء الميثاق الوطني على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وأن هذا البلد لا يمكن أن يُحكَم من فريق دون سواه.
وهنا لا بد من التحذير من خطورة المغامرة، لا بل المقامرة، والقفز فوق اتفاق الطائف والعودة إلى الطموحات الطائفية الضيقة التي لم توصل البلد إلا إلى الهلاك والفتنة والفوضى.
صحيحٌ أن اللبنانيين دفعوا أثماناً كبيرة قبل وبعد إعلان لبنان الكبير، لكن هذا لا يعني حصرية الوطنية والهوية لهذا الفريق أو ذاك، والطروحات القائمة على مشاريع مرتكزة على قراءة تاريخية سطحية محصورة بفترة زمنية محددة لا تشبه حقيقة تكوين لبنان، الذي وصلت حدوده مثلاً إبان زمن الإمارة المعنية إلى صفد، وكان لبنان حينها أوسع بكثير من لبنان الكبير الحالي.
إنّه نقاشٌ طويل من الصعب مقاربته بسطور قليلة، لكن بعض التذكير قد ينفع أمثال المنظّرين في ما يسمونه "الطوائف المؤسسة"، لعلّهم يعودون إلى لبنان كفكرة، لا كحدود جغرافية، وكرسالة ووطن نموذجي، كما وصفه البابا يوحنا بولس الثاني. فلنطبّق اتفاق الطائف كاملاً، ونرسي الدولة العلمانية الكاملة، وحينها لن نكون بحاجة إلى هكذا أفكار تقسيمية مسمومة.