Advertise here

"الزعامة الجنبلاطية خطٌ أحمر... وجنبلاط يحاصر حصاره"

29 تموز 2019 20:51:14

كلما تمّت محاصرة وليد جنبلاط ازداد شموخاً وصموداً، وهو محصنٌ بشعبيةٍ كبرى من آلاف الدروز الذين يرون فيه قائداً قوياً، وزعيماً حكيماً ووطنياً في زمن الحرب، وحين قاد المعارك الضارية حمايةً للوجود الدرزي ذي العمق العربي في الجبل، وفي زمن السلم هو رجل الاستقلال والاستقرار والحكمة والتوازن حمايةً لسيادة لبنان.

عند الموحدين الدروز الزعامة لا تُستجدى، إنما تحاكُ بخيوط النضال، ومواقف الرجال، (فإن لله رجالاً إذا أرادوا أراد). وهذه الخيوط تُنسج منها عباءة الزعامة خيطاً خيطاً، وليلاً نهاراً عبر الأيام والتاريخ والأزمنة. وتلك العباءة هي كبيرةٌ وضخمةٌ وعملاقةٌ ذات قماشٍ سميكٍ محصنٍ ضد المؤامرات والمخطّطات، وهو واقٍ من المنعطفات والانزلاقات. إنها العباءة الجنبلاطية.

في 26 تموز من العام 2018 (قبل سنة تحديداً) غرق الموحدون الدروز في سوريا (جبل العرب) بدمهم غدراً ومؤامرة. وكانت تلك أبشع مجزرة ارتُكبت بحقهم، ووجّهت أصابع الاتّهام حينها إلى النظام السوري الذي جرّدهم من السلاح، واستخدم داعش للتنفيذ. فصان الرجالُ والنساء والأطفال العزّل الأرض والعرض، وحافظوا على بقائهم في جبل العرب، وخسروا العشرات من الأبطال والأبرياء، وحصل ما حصل لأنهم رفضوا الانصياع للخدمة العسكرية في الجيش السوري الذي يقاتل إخوانهم السُنّة.

آنذاك وقف وليد جنبلاط في عبيه مطوقاً بالعمائم البيض للمشايخ الأجلاء وقفةً تضامنية ضخمة دعماً لجبل العرب، وقال: "لن يمرّوا على أجساد الدروز، وسيبقون في جبل العرب للدفاع عنه".

ثم توالت أشكال المحاصرة فصولاً ورسائلَ سورية بهدف كسر وليد جنبلاط، وزرع الفتنة في الجبل انتقاماً من الزعيم الدرزي، لأن المطلوب رأسه. فنجح جنبلاط بالاستيعاب، ووأدِ الفتنة مراراً، وفي السيطرة على غضب الشارع الدرزي من جريمة الشويفات، ومن مسيرة الاستفزاز إلى المختارة، وأحداث الجاهلية، وخطابات نبش القبور، قبل وبعد الانتخابات ذات القانون المفصّل لتطويقه في الجبل، وقدّاس دير القمر ذي الخطاب التحريضي، ووضعِ الأكاليل على نُصب الشهداء المسيحيين من القرن التاسع عشر، ومحاولة تقويض المصالحة التاريخية في الجبل بين المسيحيين والدروز، والتي أرساها البطريرك الراحل نصرالله صفير مع جنبلاط، إلى أن انفجرت في البساتين وقبرشمون بعد قرار أهالي كفرمتى بعدم السماح للوزير جبران باسيل بدخول قرية الشهداء (كفرمتى) عبر دروع بشرية من الرجال والنساء والأطفال (فقد طفح الكيل) وهو يستفز الأهالي على مقربة منهم بخطابٍ استفزازي وتحريضي يذكّر فيه بمعارك سوق الغرب وضهر الوحش، وصولاً إلى استحضار سيناريو الكمين، ومحاولة الاغتيال للوزير الغريب بعد رشق الناس والأطفال والنساء والأبرياء برصاص مرافقي الوزير لفتح الطريق.

في 20 تموز 2019 اعتلى وليد جنبلاط منصة مهرجان مدارس العرفان التوحيدية. ومن منبرٍ أكاديمي أمام الآلاف من الدروز، والعمائم البيض، والطلبة، والخريجين، قال :"إن مسيرة الصمود والوجود والوحدة والمعرفة والعلم والعقل والانفتاح والحوار، ومسيرة العروبة وفلسطين، ومسيرة فخر الدين وكمال جنبلاط، باقيةٌ بقاء الدم في عروقنا، وبقاء الروح في نفوسنا مذكّراً، "بشبانِ وفتياتِ وأشبالِ وأبطال العرفان الذين كانوا في بداية حصار الجبل مدماكاً أساسياً في الصمود والقتال. بيمينهم قلمُ المعرفة، وبشمالهم بندقية الكرامة".

في خطاب جنبلاط رسالةٌ واضحةٌ دائماً لمن تخونهم الذاكرة: "موجودون، وسنبقى موجودين". وهي عبارة شهيرة للنائب تيمور جنبلاط.

وفي تغريدته، "ماذا تريد الممانعة من الحكومة، ومن لبنان؟" إشارة واضحةٌ إلى رسالةٍ محلية إقليمية موجهة إلى كل لبنان لتعطيل البلد عبر محاولة استغلال ملف قبرشمون – البساتين للابتزاز السياسي لرئيس الحكومة سعد الحريري. وهنا يبرز التساؤل، كيف يذهب الدفع بالعمل سدى في حكومة إلى العمل بعد إنجاز إقرار الموازنة أمام الرأي العام، وأمام المجتمع الدولي، مع انتظار توقيع رئيس الجمهورية على قانون الموازنة؟ 

وفي تغريدته التالية: "إن حادثة البساتين (هي) نتيجة الفلتان السابق في بعض المظاهرات (المظاهر) العسكرية، وصولاً إلى جريمة الشويفات، والذي (والتي) هرب فيها الفاعل إلى سوريا، لذا أعتقد بأنه آن الأوان لضم القضيتين. والسلطات المختصة تقرر كيف. وإذا لزم (الأمر) المجلس العدلي للقضيتين سوياً".

وهنا السؤال: لماذا لا يقبل  الفريق الآخر بمبادرة وليد جنبلاط هذه ؟ ولماذا لا يسلّم السوقي، والمطلوبين الجدد؟

أما السؤال الأساسي والكبير: لماذا بدّل رئيس الجمهورية ميشال عون رأيه، وعاد إلى خيار المجلس العدلي؟ ومن أين أتى الضغط؟
إلّا أنه في هذه الحبكة القوية، والسيناريو الخيالي الذي تمّ إخراجه يوم 30 حزيران بتقنيات عالية، مسلماتٍ ثلاث:

1- الرئيس سعد الحريري سيبقى على موقفه، لأن القضية باتت تعنيه بالدرجة الأولى، ولن يسمح بالمسّ بصلاحياته، وفرض جدول أعمالٍ عليه.

2- الرئيس الحريري لا يستطيع الاستمرار بنفس الأسلوب والطريقة التي يتمّ التعاطي بها معه، ولذلك سيقوى صموده مع وليد جنبلاط وسمير جعجع حفاظاً على حكومة إلى العمل، والاستحقاقات الاقتصادية الداهمة.

3- اللواء عباس إبراهيم سيستمر بمساعيه، والرئيس نبيه بري سيبقى يدوّر الزوايا. إلّا أن الموضوع الغامض هو، ماذا يريد حزب الله؟ وهو الذي وقف (بري) بصدقٍ إلى جانب جنبلاط في استحقاق الانتخابات النيابية. وهل سيبقى السيّد حسن نصرالله في المواجهة مع وليد جنبلاط اليوم، ويذهب أكثر نحو التصعيد؟ وهل الأمير طلال أرسلان يقوم بما يقوم به دون تغطيةٍ من حزب الله، والنظام السوري؟

في المحصلة، المحاصرة السورية مستمرة لتحقيق هدف الفوضى في الجبل، وفي كل لبنان. لكن الأيام المقبلة كفيلةٌ بإظهار الحقيقة كما هي  بعد الانتهاء من التحقيقات. وتبقى المصالحات برأي العقّال سيدة الحصانة لاستقرار لبنان السياسي والأمني حمايةً للسلم الأهلي، ولانتعاشه الاقتصادي من جديد. وستبقى ثابتةٌ واحدةٌ رغم كل المتغيّرات والظروف... الزعامة الجنبلاطية المحصّنة بالشعبية القياسية الصادقة خطٌ أحمر، وستنجح بمحاصرة الحصار.