Advertise here

"التقدمي" وشخصيات يستذكرون المناضل نبيل حاوي في بعقلين

29 تموز 2019 14:05:00 - آخر تحديث: 29 تموز 2019 17:22:08

بمناسبة الذكرى الأربعين لغياب الصحافي الشيوعي والكاتب نبيل حاوي (هادي)، أقام الحزب التقدمي الإشتراكي، الحزب الشيوعي اللبناني- حركة الإنقاذ، ونقابة محرري الصحافة اللبنانية، حفل تكريم له في قاعة مسرح المكتبة الوطنية- بعقلين.

مثل رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط في الحفل، وكيل داخلية الشوف في الحزب التقدمي الإشتراكي الدكتور عمر غنام، وحضره السفير محمد الحجار، ممثل اللواء أشرف ريفي خالد علوان، عضو مجلس قيادة " التقدمي" ريما صليبا، المفكر كريم مروة، الإعلامي يوسف مرتضى، عائلة وأصدقاء حاوي، ممثلون عن حركة اليسار الديمقراطي، ممثلون عن الحزب الشيوعي- حركة الإنقاذ، ممثلون عن الحركة اليسارية اللبنانية، معتمد المناصف المهندس سامر العياص، الفنانة حنين أبو شقرا، مدير "بنك ميد" وجدي عبد الصمد، ممثلو المفوضيات في وكالة داخلية الشوف، فعاليات حزبية، بلدية، إجتماعية وثقافية، ممثلو جمعيات، وحشد من المهتمين.

صعب
بعد النشيد الوطني اللبناني، قدم للحفل مدير المكتبة الوطنية غازي صعب، فأثنى على صفات الفقيد الذي "عرف بهدوئه، واتسم بالتواضع والتسامح، والشرف، والوفاء لإلتزاماته . أعطى حياته للكتابة، فكان كاتبا مخضرما، ترك أحد عشر كتابا أبرزها كتاب "كمال جنبلاط- التحدي الكبير" .كما كان صحافيا فذا، في رصيده مئات المقالات السياسية والتحليلية، إذ عمل في عدد من كبريات الصحف العربية" .

الريس
ثم تحدث مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الإشتراكي رامي الريس قائلا "في زمن التحدي ولد وعاش نبيل حاوي، وفي زمن النضال من أجل الحقوق والقضايا العادلة كتب مئات المقالات، وألّف العديد من الكتب بقلمٍ ما كان يوماً إلّا من أجل الحقيقة" .

وأضاف "نبيل حاوي، أو نبيل هادي، كان هادئ الطباع، لكنه كان في الوقت ذاته صاخباً في كل ما هو في خدمة القضية. أمضى حياته مدافعاً بالقلم عن المبادئ الوطنية والحرية، وعن الحق الإنساني، مستنيراً بالفكر الحر، مهتدياً بنضال كبار المناضلين الأحرار من تشي غيفارا إلى المعلّم كمال جنبلاط الذي كتب عنه كتابه الشهير "كمال جنبلاط التحدي الكبير" الصادر عن دار الفارابي عام 1977، والذي أعادت طبعه الدار التقدمية عام 1987" .

وأردف "نبيل حاوي، أو نبيل هادي، الاسم الذي استخدمه الراحل في توقيع كتبه ومقالاته، صحافي وإعلامي من طرازٍ يصعب إيجاد شبيهٍ له في زمننا، فهو من طينة الكتّاب المناضلين المدافعين عن الحقيقة، وعن القضية بايمان المؤمن بالعدالة الاجتماعية، والمساواة بين البشر".

وأكد الريس "كان الراحل، كما شقيقه الشهيد جورج حاوي، قريباً من المعلّم كمال جنبلاط، ويلتقي على الخط نفسه مع حزب كمال جنبلاط في النضال المشترك من أجل القضايا ذاتها. ونذكر أن الراحل ساهم في بدايات إذاعة صوت الجبل كأحد الكتّاب والمحرّرين في مطبخها الإخباري الداخلي. ورغم الفترة القصيرة التي عمل فيها في الإذاعة، إلّا أن مهنيّته واندفاعه كانا من العلامات البارزة في سلوكه ونشاطه".

ولفت الريس إلى أن "نضال نبيل حاوي لم يكن محصوراً بعمله الصحافي، فقلة ربما كانت تعرف أن نبيل كان شاعراً مرهفاً مفعماً بالمشاعر الوطنية، وكتبَ العديد من الأغاني الملتزمة التي تكمّل شخصيته النضالية، وتقدّم كل ما يخدم المبادئ التي آمن بها. فبعض من هذه الأغاني لحّنها الفنان مارسيل خليفة، وحملتها فرقة الميادين إلى كل أصقاع الأرض ليردّدها مئات الألوف من أحرار العالم، ومنها أغنية "يا بحرية". 

وتابع "واكب الراحل انتفاضة الإستقلال في العام 2005، وكتبَ عنها ولها في العديد من كبريات الصحف العربية. وكان مندفعاً لثورة 14 آذار كما لو كانت امتداداً للثورات التي غيّرت الكثير من المفاهيم، كالثورة البولشيفية، وثورة الضبّاط الأحرار في مصر، والثورات في أميركا اللاتينية وأفريقيا".

وقال "أذكرُ العشرات من الإتصالات الهاتفية التي كنت أتلقاها منه سائلاً، مستفسراً، محللاً، متابعاً، مواكباً بدقة، قارئاً للأحداث وخفاياها، مقاطعاً للمعلومات، ناسجاً روايته التحليلية التي تعكس الكثير من العمق، وبُعد الرؤية والتفكير في زمنٍ أصبحت فيه مهنة الصحافة تعاني من التراجع، تارةً بسبب التطور الهائل الذي دخل عليها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وطوراً بسبب تسلّق بعض المتطفلين سلّم هذه المهنة، فأساؤوا لها تماماً كما أساؤوا لأنفسهم. كما أذكر حماسته الكبيرة عند مرور بلادنا بمنعطفاتٍ كبرى، وما أكثرها، معبّراً عن رغبته الجامحة لو يتاح له أن يكون بين صفوفنا، لا بل في طليعتها، للمشاركة في مظاهرة سياسيةٍ أو مطلبية، أو لحضور اجتماعٍ سياسي يصدر موقفاً حاسماً يؤكّد الثوابت التي آمن بها وعمل في سبيلها على مدى سنواتٍ طويلة، سواءً في الصحافة والشعر والتأليف، أو في العمل السياسي المباشر" .

وتساءل الريس "ماذا نقول بعد عن نبيل حاوي عن جورج عن بهيج فبعد أن سقط جورج شهيداً في حزيران 2005، أبى بهيج ونبيل إلّا أن يلحقا به، كلٌ في لحظته، في أوانه، لا أكثر ولا أقل! كم هم كبار آل حاوي هؤلاء، كلّ واحدٍ منهم ترك بصمته في موقعه، كلٌ منهم ناضل على طريقته، وكلٌ منهم سنذكره على طريقتنا" .

وأضاف "نفتقد جورج، بسعة ثقافته واطلاعه، بعمقِ معرفته، بدقةِ استيعابه لتركيبة لبنان بتوازناته التاريخية، بما أرساه اتفاق الطائف من نهائية لبنان وعروبته"، مؤكدا "وعندما نقرأ جورج حاوي ونبيل حاوي، ثم نقرأ بعض حدِيثي النعمة - في السياسة وغير السياسة – ندرك مستوى الإنحطاط الذي يقودنا هؤلاء إليه".

وإذ رأى الريس أن "البعض يظن أن التاريخ النضالي انطلق معه"، توجه إليهم بقوله "عودوا إلى التاريخ، تاريخ الحزب التقدمي الإشتراكي والحزب الشيوعي اللبناني. عودوا إلى الجبهة الإشتراكية الوطنية. عودوا إلى الحركة الوطنية اللبنانية. عودوا إلى كمال جنبلاط ونضالاته في السياسة والحرية والديمقراطية. عودوا إلى وليد جنبلاط الذي حافظ على الوجود السياسي في حقبة الحرب، وقاد مصالحة الشجعان في حقبة السلم. 
اخرُجوا من قمقم الطائفية والمذهبية الذي وضعتم أنفسكم فيه، ففي هذا البلد قيادات ورموزٌ وأحرارٌ لا ينتظرون شهادتكم. في هذا البلد أعلامٌ مثل جورج ونبيل حاوي، قبل سمير قصير وجبران تويني، مثل كبير الشهداء كمال جنبلاط الذي قدّم نفسه شهيداً دفاعاً عن استقلال لبنان وعروبته ".

وأردف "إلى هؤلاء الذين يظنون أن بإمكانهم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء نقول لهم: لن تنالوا! ليست المختارة التي تحاصَر. ليس وليد جنبلاط هو الذي يحاصَر، بل على العكس، كلما حاولتم تطويقه، كلما تعملق وخرج أكثر قوة وشجاعة وعنفواناً" .

وختم "نبيل حاوي، وفي ذكرى غيابه نشعر ونتحسّس مدى خسارة الصحافة الحرة لقلمه، ومدى خسارتنا كأحرار لشخصيته التي كانت تتحلى بكل القيَم النضالية. 
نبيل حاوي، في ذكرى الأربعين، لك منا تحية نضال، تحية تقدمية، تحية يشاركنا فيها كل إنسانٍ حر في لبنان والعالم. 
وعبرك سلامٌ وتحية لروح الشهيد جورج حاوي" .

فرنسيس
من جهته تحدث الصحافي طوني فرنسيس، صديق ورفيق الفقيد عن معرفته به، والتي "تعود إلى مطلع السبعينات، حين كان طالبا ينهي دراسته في كلية الحقوق، وكانت الجامعة اللبنانية آنذاك معقل الحركة الطلابية على تنوع اتجاهاتها، وكان اليسار قوة طلابية كبرى ومحترمة تستقطب الطلاب بسبب برامجها وإلتصاقها بمصالحهم"، مشيرا إلى أنه "في ذلك الزمن، زمن أنور الفطايري ورفاقه، أعطيت الديمقراطية معناها"، لافتا إلى نأي الفقيد نبيل حاوي بنفسه عن الخلافات والصدامات السياسية الحادة التي كانت تحدث بين الفئات الطلابية "فلا يشارك في عراك أو صدام، بل يبقى مرجع مصالحة وتصالح".

وأردف "إنه نبيل المسالم، المتمسك بموقفه، نبيل المحاور، والصحافي الشامل، فقد كان قادرا أن يكتب في كل شئ: في السياسة المحلية والعربية، في الثقافة والفنون، في الرياضة وإعداد الكلمات المتقاطعة للتسلية" .

وتابع فرنسيس "لدى تأسيس إذاعة صوت الجبل في العام 1984، إنتدبنا انا ونبيل للمساعدة في تكوين فريق الأخبار في الإذاعة . في تلك الأيام الصعبة أقمنا في مبنى الإذاعة في شانيه اسابيع عدة، وكانت تجربة غنية من تجارب التعاون بين الحزبين على المستوى الإعلامي، والذي وصل في حينه إلى حد التماهي الشيوعي - الإشتراكي، وإستمر ثابتة من ثوابت نبيل وكثيرين من رفاقه"، مؤكدا "لم يبدل نبيل في قناعاته، وكان طبيعيا أن يلتحق ولو من الكويت بأحلام ثورة الأرز، فدافع عنها بقوة، وعندما أغتيل شقيقه جورج لم يخطئ في توجيه أصابع الإتهام، وجعل من قضية جورج حاوي، وطلب الحقيقة والعدالة، عنوانا لمسيرته الصحافية والسياسية" .

حاوي
وألقت كلمة العائلة كلير حاوي، إبنة شقيقة المناضلين نبيل وجورج حاوي قائلة "ترعرعت في كنف مدرستهما التي تقوم إحدى ركائزها على أسس ومبادئ المعلم كمال جنبلاط. معا سرنا على خطى ثابتة قوامها الديمقراطية والحرية والعيش المسترك، بعيدا عن الطائفية والعنصرية والكيدية والمصالح الشخصية" .

وأكدت حاوي "نعدكم يا رفيق نبيل بأننا على خطاك، وخطى كمال جنبلاط، وجورج حاوي، وسمير قصير سائرون، وعلى العهد باقون . ونحن بإسمك اليوم ندعم الرفيق وليد جنبلاط بالوقوف معه في وجه الحملة التي تستهدفه بهدف تحجيمه على الساحة الوطنية " .

وإذ أشارت حاوي إلى التمسك بالجذور والثوابت، وعدم السماح بإستغلالها من قبل الإنتهازيين الذين يعملون لتدميرها وتشويها، اكدت "سنبقى اوفياء لهذا الجبل الأشم، جبل كمال جنبلاط ووليد جنبلاط" .

وختمت شاكرة بإسم العائلة، الحاضرين والقيمين على اللقاء، وخصت بالشكر الحزب التقدمي الإشتراكي "الحليف الإستراتيجي للحزب الذي قاده جورج حاوي" .

أبو شقرا
بدوره تحدث محمود أبو شقرا بإسم الحزب الشيوعي اللبناني -حركة الإنقاذ، اللجنة التنفيذية، قائلا "غادرتنا سريعا يا رفيقي، ونحن في صراع فكري بين الممكن والضروري"، مؤكدا "سيبقى حلم كمال جنبلاط، وحلم جورج حاوي، التحدي الكبير وحلمنا، نحن المخضرمين، وسيحمل هذا التحدي كل شباب وصبايا لبنان . إنه حلم الحركة الوطنية اللبنانية بكل فصائلها ، وفي مقدمها الحزب التقدمي الإشتراكي، بقيادة القائد وليد جنبلاط، والحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي، الحلم الوطني الذي ثبتت الأيام صحته، ويتأكد لنا أن لا مخرج للبنان من أزمته إلا بمشروع وطني أرست مبادئه وأسسه الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط" .

وأكد أبو شقرا "كلما تآمرت على هذا الحلم قوى الخارج وقوى الداخل التي اغتالت، وأدواتها، قادته، سيبقى الحلم بمستقبل وطن قائما، وسنبقى نحمل الأمانة وفاء" لدماء كمال جنبلاط وجورج حاوي، وسمير قصير، وشهداء الحركة الوطنية الذين قدموا أرواحهم فداء" لهذا الوطن، وصولا إلى الشهيد الكبير رفيق الحريري، وكل شهداء هذه المرحلة من النضال الوطني، الذين أرادوا للبنان الحرية والسيادة والإستقلال" .

وشدد أبو شقرا على ضرورة "العمل من أجل أوسع تحالف وطني ديمقراطي لبناني يشكل أمل اللبنانيين في الخروج إلى رحاب الوطن، إلى لبنان لكل أبنائه، وهذا لا يمكن أن يقوم بمعزل عن حزب لبناني عريق، له تاريخه، يحمل إرث وفكر كمال جنبلاط، ونضال وليد جنبلاط، وله أبعاده العربية، وإلتزامه بالقضية الفلسطينية وبحق الشعب الفلسطيني، حزب كمال جنبلاط، بقيادة رئيس تاريخي هو وليد جنبلاط الذي يشكل ضمانة العمل الوطني، والذي يستطيع قبل غيره، وأكثر من غيره أن يحتضن هذه الحالة الوطنية التي بات قيامها حاجة للوطن" .

القصيفي

وحالت بعض الظروف دون مشاركة نقيب محرري الصحافة جوزف القصيفي في الندوة، وهو كان أعد الكلمة التالية عن الراحل، وجاء فيها:

نبيل حاوي مناضل – صحافي، وصحافي – مناضل، شقيق مناضل شهيد كان شاهداً على أحداث خطيرة، شارك في بعضها، وكان له فيها الموقع المتقدّم. قد تختلّف معه في الرأي والمعتقد والمنطق، لكنك محمول على إحترامه، لانه- على إلتزامه السياسي، وانتمائه الى حزب شموليّ- لم يكن إلغائياً، ولا رافضاً للآخر، ولا متنكراً للحق في الأختلاف. كانت ثورته الفكريّة، ومسلكه الاجتماعي، يعكسان نزعته الانسانية، وانحيازه الدائم الى الضعفاء والمهمشين.

نبيل حاوي كان شفافاً، مرهف الحسّ، على صلابة في العقيدة، لا تلين له عزيمة، ولا يلوي أمام عاصفة. لذا كان يعيش سلاماً داخليّاً عميقاً، على رغم المشاعر المتدفقة، والمتواضعة التي تغمر كيانه، وتأخذه بعيداً في تشكيل رؤيته للحياة.

كان نبيلاً وهاديّاً على غرار الاسم الذي كان يوقع به مقالاته، وفيّاً لقناعاته، فلم يتلّون ولم يحاب. كان صمته معبراً، بليغاً، يغني عن صراخ لا يجدي، ليقينه أن القنابل الصوتية ظاهرة هشة لا تبني موقفاً ولا ترسم خياراً واضح المعالم.

بغياب نبيل حاوي تطوى صفحة مشرقة من تاريخ الصحافة اللبنانية المناضلة والملتزمة، وتنكسر ريشة معطاء حاربت بالكلمة والفكر، وانتصرت للمظلوم على الظالم، والمقهور على القاهر، ومزجت مدادها بدم القلب وعرق المعاناة، مسّطرة صفحات خالدة في سجل مهنة - مهما قيل فيها تبقى الأكثر تماساً مع هموم الناس - تقاسمهم الاحلام والآلام، الخيبات والنجاحات. مهنة تختصر دورة الحياة اليوميّة، تقرّب المسافات، وتقلصّ الحدود. من رحمها الخصب خرج الشهداء الذين يعيدون صباغ وثيقة الحرية بدمهم، كلما عفّ لونها.

هذا الذي ترجّل عن صهوة دنياه بهدؤ، كان صاخباً في دفاعه عن القضيّة التي بها آمن. صاخباً كان من دون ضجيج، لاهباً من دون إضرام حرائق. في كتاباته دفء الإلتزام، وصدق الايمان، وحسن السداد نحو الهدف. لم تكن كتاباته كلمات مرصوفة، وسطوراً ملزوزة، ولا تفنناً في إبتكار اساليب غير مألوفة، بل بنيان مرصوص، يزيده تماسكاً تسلسل منطقي، وانسياب رحب، في قالب شيقّ يغلب عليه السهل الممتنع. 

زاوج في نتاجه الفكري وأدبه السياسي، بين الامانة للحقيقة ووفائه لقناعاته، بحرفيّة تدّل الى غنى موهبته واتقادها، وقدرته على ترويض الهوى، واخضاعه لسلطان العقل، تحت سقف الثوابت المبدئية.

 نبيل حاوي المتواضع، البعيد عن الاضواء، المنسحب الى دائرة الظلّ، كالبنفسجة الحييّة التي تستدل إليها من شميم عطرها، خالد بما قدّم من إضافات ثقافية وفكرية.

عمل في جريدة "النداء"، و "الوطن"، و "الاخبار" قبل إحاجابها ومعاودتها الصدور يوميّة، وكان صحافيّاً متمكناً توافرت لديه كل معايير الكفاية والثقافة والحرفيّة. وان مكانته المهنية، وقدراته، شقّت له الطريق الى جريدة "القبس" الكويتية حيث تولى فيها سحابة سنوات طوال رئاسة القسم العربي والدولي.

للفقيد مؤلفات وقعّها بإسمه، أو بإسم آخر مستعار "نبيل الهادي" منها : "التحديّ الكبير"، "كمال جنبلاط"، "17 ساعة تاريخية عند باب  المندب"، وترجمة كتاب "الحركة النقابية اللبنانية" وسواها، تقدّم الدليل على علوّ مكانته في عالم الفكر والثقافة.

 إن رحيله كان محزناً... أطلق العنان، وغادر تاركاً لنا الأثر الطيّب والذكر الحميد، وسيرة عصاميّة يقتدى بها، وامثولة لكل من أراد أن يقتحم الحياة أعزلاً إلاّ من إرادة الحياة...    

ستبقى صورة هذا النبيل الهاديء في مخيلتنا، رمزاً للصحافي الذي أحبّ مهنته، ولم يتوسلّها لجمع ثروة أو تحقيق شهرة، بل كانت هوى في النفس، ونزعة ملحاح شدته الى إرتياد آفاقها، والتحليق عاليّاً في فضاءاتها...

برحيلك أيها الغالي... تطوي صفحة ناصعة من تاريخ الصحافة اللبنانية والعربيّة الحرّة والمشرقة... ولن يلطخ نقاؤها ما نشهد اليوم من شطط، واقلاماً فالتة من مدار الحق الذي عملنا معاً، ولا نزال، ليظلّ منارة دائمة الاشعاع والسطوع...