رفض "الواقعية" يجهض مبادرة الفاتيكان: الصراع الداخلي والحدودي يتأجج

27 حزيران 2024 07:21:49

تتكسّر عند أعتاب اللبنانيين كل المحاولات والمبادرات لتحقيق خرق في جدران الأزمة الرئاسية والسياسية والحدودية. فلا الوضع في الجنوب قابل للحلّ، ولا أوضاع الداخل كذلك. زحمة زيارات ومبادرات ومساع كلها تصطدم بتصلب القوى الداخلية المختلفة فيما بينها. يغرق اللبنانيون في أزماتهم من دون أي قدرة على التلاقي أو التقارب. وهم بذلك أصبحوا يشبهون الوضعية السياسية المعقدة والمتخبطة داخل إسرائيل، في ظل الخلافات بين بنيامين نتنياهو وأركان حكومته أو معارضيه السياسيين. الأمر نفسه ينطبق على لبنان. وهو ما يبقي حالة الحرب في الجنوب قائمة، ويطيل أمد الفراغ الرئاسي والخواء السياسي في الداخل.

فشل فاتيكاني
كما أُفشلت مساعي الدول الخمس في العمل على إنتاج صيغة حلّ، وكما أُفشلت المساعي الفرنسية لفصل جبهة الجنوب عن حرب غزة، وكما أُقنعت الولايات المتحدة الأميركية بأن أي وقف للعمليات العسكرية في الجنوب مرتبط بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، كذلك بالنسبة إلى المساعي التي تقودها دولة الفاتيكان أو أي جهة أخرى.

وفقاً لذلك، يحتكم لبنان إلى التعطيل والتعطيل المضاد.

في زيارة أمين سر الفاتيكان، الكاردينال بيترو بارولين، إلى لبنان، حاول الفاتيكان عبر مقاربات مختلفة، إلى حدّ الدخول المباشر والتفصيلي، وحمل مبادرة لجمع القادة المسيحيين، مع التضحية بمواقف تاريخية ثابتة لصالح الحفاظ على هذا الكيان، وثبات المسيحيين ضمن مجتمعاتهم وبيئاتهم ودولهم، إلا أن كل ذلك يصطدم بعقبات كثيرة، فيما يواصل الدور المسيحي المؤثر والفاعل تضاؤله في الشرق الأوسط، وفي لبنان خصوصاً. ومع ذلك، كل ذلك لا يبدو كافياً لأجل تحفيز القوى المسيحية على إعادة النهوض والعمل وفق طريقة مختلفة عن ما هو سائد. ولذا، لم يستطع الفاتيكان إرضاء المبدئيين المسيحيين ولا الثنائي الشيعي. فتغيُّب المعارضة المسيحية عن لقاء بكركي مع بارولين، كان فحواه يشبه ما قاله جعجع ذات مرة بأنه إذا أراد المجتمع الدولي أن يعطي حزب الله مكاسب سياسية فليعطه من كيسه، وليس على حساب اللبنانيين. يبدو ذلك وكأنه محاولة للهروب من الواقعية. أما الغياب الشيعي، فيريد أن يقول إن الصرح البطريركي لم يعد مرجعاً لتقرير سياسات وطنية كبرى.

الضعف والقوة
هكذا، بين إرادة حزب الله الغالبة، وإزاحة خطّ البطريرك الماروني، نصرالله صفير، عن الخيارات السياسية للكنيسة، يبدو باستمرار وبشكل تدريجي أن ما يصطلح على تسميته بالمارونية السياسية ما عادت قادرة على تقديم رؤية سياسية قابلة للحياة ومجددة للدور المسيحي كشريك فعلي وفاعل في ترسيم سياسة لبنان وتدبير مؤسساته وإنتاج السلطة فيه. فهم غير قادرين على العودة إلى خيار البطريرك صفير، ولا حتى بخيار البطريرك بشارة الراعي حول الحياد.. بفعل الوقائع. بينما هناك من يذهب بعيداً عن الطائف. ويظهر ذلك حالة ضعف المسيحيين وشرذمتهم، فيما بعض الخيارات لديهم تذهب إلى خسارتهم لحلفائهم من الطوائف الأخرى.

أما الطرف الأقوى في المعادلة اللبنانية الحالية، وفقاً لما يعبّر عنه المجلس الشيعي الأعلى أو أدبيات الثنائي السياسي، حزب الله وحركة أمل، فيبدو أن لديه مشروعاً يتجاوز بكثير ما يحلم بالعودة إليه المسيحيون وشطر كبير آخر من اللبنانيين. ولهذا السبب، موقع رئاسة الجمهورية هو الميدان الذي ستظهر فيه نتائج هذا الصراع على إعادة تشكيل لبنان وهويته ومستقبله ووجهته السياسية. 
جزء من هذا الصراع يبقي لبنان في حالة مراوحة ودوران في حلقة مفرغة، فيما تأتي الوفود الدولية وتذهب بلا أي مواكبة لبنانية جدية، سعياً وراء الخروج من الأزمة. وهو ما من شأنه أن يضع البلاد إما على حافة انفجار عسكري جنوباً، أو في قلب أزمة وجودية كيانية داخلياً، في ظل التضارب ما بين الرؤى والمشاريع، والذي يحاول الفاتيكان تجاوزها بالواقعية.