وضع الجنوب: بين السياسة والأمن... تخبّط حاد وسط قلقٍ كبير!
25 يونيو 2024
09:17
Article Content
في خضم التوترات المتصاعدة على الحدود اللبنانية الجنوبية، تتعقد المشهدية السياسية والميدانية في المنطقة، إذ باتت الضبابية تكتنف كافة التحركات الدبلوماسية والتطورات الميدانية. إذ تتجه الأنظار نحو الجنوب اللبناني كمسرح جديد لصراع طويل الأمد، حيث تبرز مصالح دولية وإقليمية متشابكة، مما يعزز إحتمالات التصعيد ويضع المنطقة على شفير هاوية من شأنها صنع تغييرات كبيرة.
في هذا السياق، تظهر مؤشرات واضحة إلى أن إسرائيل وحزب الله يعدّان العدة لمواجهة قد تكون الأشد منذ سنوات، في وقت تسعى فيه القوى الكبرى لإعادة ترتيب الأوراق عبر مبادرات دبلوماسية لم تُثمر بعد عن نتائج ملموسة. تتطلّب هذه المرحلة الحرجة قراءة متأنية لتحليل الأبعاد الاستراتيجية للأحداث، ورصد التحركات الميدانية والدبلوماسية بدقة، لفهم التداعيات المحتملة على الأمن والاستقرار الإقليميين، فما هي القراءة السياسيّة للوضع الأمني في لبنان؟ وكيف تنظر العين العسكريّة لهذه التطوّرات؟
*المفاوضات السياسية بين تعثّر وركود وتسارع*
سياسياً، تسود الضبابية على الوضع في الجنوب اللبناني، سواء على الصعيد الميداني أو الدبلوماسي، إذ ما أشارت إليه صحيفة "التليغراف" بما يخص مطار بيروت مرتبطة بشكل وثيق بالحرب الدائرة على الحدود الشمالية بين حزب الله والاحتلال الاسرائيلي، ما يظهر أن الأخيرة تستخدم جميع أوراقها لقلب الرأي العام اللبناني ضد المقاومة، متبعة استراتيجية تتضمن توجيه رسائل سياسية ودبلوماسية وإعلامية، وحتى أمنية، من خلال استهداف منشآت مدنية وحيوية مثل مطار بيروت. وهذا الاستهداف لا شك إن نيّته إحداث خلل في البنية السياسية والاقتصادية والسياحية في لبنان خلال فصل الصيف، مما يجعل كافة الاحتمالات مفتوحة على جميع الأصعدة.
وفيما يتعلق بالوضع في الجنوب، تشير مصادر متابعة لجريدة الأنباء الإلكترونية إلى أن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لم يحمل معه أي جديد في زيارته الأخيرة، وسط الطروحات المتعددة التي بدأت منذ عملية طوفان الأقصى. وهذه الطروحات تتضمن انسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني وعودة النازحين اللبنانيين إلى قراهم، مقابل انسحاب إسرائيل من الحدود الشمالية وعودة المستوطنين إلى منازلهم، وهذا ما تسعى إليه إسرائيل قبل بدء العام الدراسي المقبل، في ظل الضغوط الكبيرة التي تواجهها، خاصة مع تكبدها تكاليف إيواء المستوطنين في الفنادق الإسرائيلية. لذا، تعتبر المعركة الحالية على الحدود الشمالية الأبرز، وليس في غزة أو رفح.
وفي سياق التحركات الدبلوماسية، يتضمن اقتراح هوكشتاين نشر كتيبة من الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في المناطق التي يسيطر عليها حزب الله، دون التطرق إلى مسألة نزع سلاح الحزب، وهو ما يتطلب تسوية دولية وإقليمية قد تكون بعيدة المنال. بينما يتطلب تنفيذ القرار 1701 بدء مفاوضات حول ترسيم الحدود البرية والتوصل إلى تسوية شاملة. إلا أن هذه الطروحات لم تلق قبولاً لدى بعض الأطراف، حيث عاد هوكشتاين من تل أبيب خائب الأمل. يؤكد زوار عين التينة، أن الأمور ما زالت عالقة، وأنه من المستحيل فصل مسار غزة عن الجنوب اللبناني. وقد اتفقت قيادات حزب الله على أن لا وقف للحرب مع إسرائيل قبل وقف الحرب على غزة.
في هذا الإطار، تتسع الاتصالات الدبلوماسية في الأيام القليلة المقبلة، إلا أن الجدير ذكره هو أنه لم يسفر عن لقاء الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي جو بايدن في قمة نورماندي عن أي جديد، سواء على مستوى الوضع الميداني في الجنوب أو الملف الرئاسي اللبناني. بينما تسعى الزيارة المرتقبة لأمين سر دولة الفاتيكان بيترو بارولين إلى بيروت إلى تعزيز التوافق بين الأطراف المسيحية على مرشح رئاسي وتهدئة الأوضاع في الجنوب. ومع ذلك، قد لا نصل إلى أي نتيجة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث يتعذر الوصول إلى هدنة من خلال المفاوضات في القاهرة والدوحة.
بناءً على هذه التطورات، يبقى الوضع على الحدود الشمالية كما هو، وفق قواعد الاشتباك الحالية. يسعى هوكشتاين إلى منع تفاقم الأمور وخروجها عن السيطرة أو الوصول إلى حرب شاملة. ومع ذلك، فإن الأمور قد تتجه إلى تصعيد واسع النطاق، وقد تخرج عن المسار المرسوم لها، مما يؤدي إلى استهداف المنشآت المدنية والحيوية في لبنان ورد حزب الله بضربات في العمق الإسرائيلي، مما يفتح اللعبة على كافة الاحتمالات.
*العين العسكريّة تحذّر*
أما عسكريا، فيقول الجنرال هشام جابر في حديث ل"الأنباء" أنه ما بات أقرب إلى الواقع بين التهديدات الإسرائيلية ونداءت التهدئة الأميركية هو أن إسرائيل لن تتجرأ على فتح الحرب الواسعة على مسؤوليتها، لذلك هي تحاول استدراج حزب الله لكي يكون البادئ، "أعتقد أن حزب الله لن يقع بهذا الفخ، خاصة وأن التهديدات الإسرائيلية ليست جديدة ونحن نعرفها ونعرف جيّدا أن هم أميركا الأول هو لجم إسرائيل لعدم ارتكاب هذه المغامرة وهذه الحماقة لأن أميركا تدرك أن هذه الحرب لن تقتصر على لبنان ستتطور لتصبح حرب إقليمية وبسرعة وإذا أصبحت إقليمية ووصلت إلى الخليج والبحر الأحمر ومضيق باب المندب هذا يعني أن أميركا ستتضطر أن تتورط في الحرب أولا لنجدة إسرائيل وثانيا لأنه هناك احتمال أن يُقفل البحر الأحمر إذا أصبح منطقة عمليات عسكرية وتدرك أميركا أن إيران لا تريد الحرب إنما إذا توسعت يمكن أن تتورط إيران أيضا، فلا أحد يريد هذه الحرب إلا نتنياهو".
وفي هذا السياق، المقلق بالنسبة لتلك الدول هو أن تطوّر هذه الحرب لا أحد يعرف مداه وكيف يمكن أن تتسارع الأمور خاصة أن وصول الحرب إلى البحر المتوسط وتحوّله لمنطقة عمليات عسكرية بحسب جابر، " هذا يزيد الخشية من تدخل قوة أخرى وهنا أعني روسيا التي انتظرت 100 سنة حتى وصلت على المياه الدافئة ولديها قاعدة في طرطوس ومركب طيران في قاعدة جوية في حميميم، لذلك أنا لا أرى أن روسيا ستبقى مكتوفة الأيدي إذا اشتعلت المنطقة، كذلك تركيا يمكن أن تتورط في حال اعتبرت أن قبرص مشتركة في هذه الحرب".
وعن أهداف إسرائيل من توسيع الحرب، يعتبر جابر أن الأهداف باتت معروفة ولكنها ليست سهلة لتتحقّق فمن أهم الأهداف هو "إبعاد حزب الله وكسر الهالة العسكرية الخاصة به، وتجعل منطقة الجنوب منطقة خالية من حزب الله وخصوصا جنوب الليطاني، ولكن يبقى السؤال هل ستستطيع بعملية عسكرية وبحرب واسعة أن تحقق الأهداف؟ الإجابة بنظري هي لا، وأعتقد أنها حتى لو دمرت لبنان كله لأن أكبر تجربة هي غزة ولم تستطع حتى اليوم أن تحقق أهدافها بعد 9 أشهر، بالرغم من الفارق الكبير بين غزة ولبنان إن كان بالقوة العسكرية أو بالجغرافيا، وأيضا تجربة 2006 حينما حاولت إسرائيل أيضا أن تكسر الهالة العسكرية لحزب الله ولم تستطيع، واليوم قوة حزب الله ازدادت عشرات المرات، فلذلك أنا برأيي الحرب تناسب فقط نتنياهو لأنه يريد أن يبقى في السلطة وكي يبقى في السلطة هو بحاجة لأن يبقى بحالة حرب، ولكنها خطيرة جداً هذه الحرب وبحاجة لدراسة كبيرة ولا يمكن إعلان الحرب بسهولة".
ختاما، لا يمكن الحسم بأي نتيجة أو توقّع لما سيحصل في قادم الأيام، فمن الواضح أن كبرى الدول حتى الآن ليست قادر على إنهاء أي توتّر أو إشعال أي شرارة، ولكن المحسوم بشكلٍ. قاطع هو أن الحرب المقبلة إذا ما حصلت فشتكون كارثية ليس على لبنان وإسرائيل فقط إنما على المنطقة بأسرها!