حرصًا على صور الأحرار من الأذى
20 يونيو 2024
15:36
آخر تحديث:20 يونيو 202418:36
Article Content
بقلم: مرزوق الحلبي - دالية الكرمل
"الأبطال" التاريخيون في تاريخ جماعة ما هم أساطير تحتاجها الجماعة كي تعيش ويكتمل عالمها وتصحّ حياتها، خاصة إذا كانت عُرضة للخلل والانتهاك ـ كما الدروز هنا. فهم بحاجة إلى ألف سلطان باشا وألف كمال جنبلاط لترميم حياتهم المعطّلة مرّة بسياسات إسرائيليّة رسميّة قصدت مسح هويّتهم وانتمائهم لمشرق عربيّ بريشه وعراميشه، ومرّة بتعامل عربيّ قائم على الإقصاء والتخوين. في هذه المساحة التي يعيشون فيها "مشبوهين" تصير الحاجة إلى "أساطير" و"أبطال" ماسّة لصيانة الوجود وجعل صورة الذات معقولة.
من هنا أفهم النقاش الدائر اليوم في أوساط الدروز حول استعمالات بائسة لصور قيادات ككمال جنبلاط وسلطان باشا الأطرش بأيدي أناس يشيّعون جثمان شاب درزي قُتل وهو يخدم ضمن قوات إسرائيليّة في الحرب على غزّة. وهو ليس الاستعمال الإشكاليّ الأوّل لهذه الرموز أو لراية العقيدة الدرزية. فقد تمّ الإساءة إلى هذا الرأسمال المعنوي الهويّتي مرات كثيرة إلى حدّ تحويلها إلى رخيصة يستعملها مناصر الاحتلال والقابع في قلب المشروع الإسرائيلي العنصريّ، واستعملها المُعادي لمصلحة طائفته عندنا وفي سورية ولبنان، واستعملها دروز "مشتغلون" بالسياسة من جهة اليمين الإسرائيلي الفاشيّ. واستعملها في الجهة الثانية بعض "يساريين" و"عروبيين" دروز من جهة يمين عربي وأنظمة مستبدّة. فمنهم مثلًا مَن يترحّم على كمال جنبلاط دون أن يذكر الذين اغتالوه بل نراهم يؤيّدوهم في حرب الإبادة والتطهير العرقي لسورية.
لأنني تبيّنت منذ زمن أن هناك جهدًا إسرائيليًّا محمومًا لإعادة بناء الهويّة الدرزية هنا وترميمها إثر ما تعرّضت له بعد تشريع "قانون القومية" العنصريّ، فإنني لا أستبعد أن يشمل الترميم إدراج صور ومرئيات تتصل بتاريخ الدروز الناصع في تبييض البناء الجاري لهويّة درزيّةـ يمينية على طريقة المؤسّسة الإسرائيلية. وقد رأيت الجهد السلطويّ المبذول في رسم هذه المرئيات في الفضاء العام في البلدة الدرزيّة بتمويل رسميّ بدعوى الفنّ وتحسين صورة البلد.
ومن الأفعال المحبّبة على مصممي الوعي في هذا الزمن هو تبشيع صور الرموز والأبطال وخلطها بصور لأناس خانوا انتماءاتهم ودسّها في عملية بناء هويّة الدروز كأن لا ذاكرة لهم ولا تاريخ. سأتمنى أن تظلّ صور الأبطال أبعد من أن تطالها الأيدي الملوّثة بالانتفاع والرُخص.