التغير المناخي والتلوث يهددان حياة النحل .. لا عسل ولا حبة فاكهة !!

"محمية أرز الشوف" مثال رائد في حماية النحل وتطوير إنتاج العسل

19 حزيران 2024 20:10:33 - آخر تحديث: 19 حزيران 2024 20:13:30

"موسم العسل هذا العام لا يبشر بالخير" هذا ما قاله وائل سري الدين أحد مربي النحل في منطقة الشوف.. وحال وائل كما حال نحالين كُثر قد يتأثر إنتاجهم من العسل بسبب تأثر قطاع تربية النحل بعوامل التغيرات المناخية. وبالمقابل، التغيرات المناخية ليست وحدها من يهدد بنفوق النحل، إذ أن التلوث يعد من المسببات الأساسية وليس في لبنان فحسب بل على الكرة الأرضة بأسرها. 
خطورة فقدان النحل أبعد بكثير من جدواه الاقتصادية، إذ يحذر الدكتور داني عازار، الخبير العالمي في مجال دراسة الحشرات الأحفورية وتطورها من إختفاء الحياة على الكوكب الأزرق في حال إنقرض النحل، قائلاً: "إذا إنقرض النحل تختفي الحياة على الأرض بغضون 3-4 أشهر كحد أقصى".
ويكشف عازار أن "النحل يلقح 90% من الزهور وفقدانه أو أي إختلال في دورة حياته يهدد الغطاء النباتي المزهر وكذلك التسبب بإختلال في السلسلة الغذائية".

عرش ملكات النحل مهدد 

"كان من الممكن ألا نحصل على العسل هذا العام، لو لم نقم بشراء ملكات ملقحات"، وفق سري الدين. حالة الطقس في مطلع شهر أيار الماضي أثرت على الملكات حديثة الفقس، عندما كان من المفترض أن تبدأ عملية التلقيح، إذ أن "درجات الحرارة المنخفضة والشتاء والضباب في الأيام العشرة الأولى وحجم المتساقطات الكبير في 14 أيار لم تخولها من التلقيح أو لم تلّقح كفاية"، على حد تعبير سري الدين. 
وهذا العام ليس الأول الذي تتأثر به تربية النحل، سيما أنه في العامين الماضيين عانى مربو النحل من ظروف مشابهة وتضائل في الإنتاج.
وفي السياق عينه، إن تلقيح الملكات ليس التحدي الوحيد، إذ أن طعام النحل الطبيعي مهدد كذلك، وهنا تشير أشواق بوناصيف، مديرة محطة بعقلين في مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في وزارة الزراعة الى أن "حجم المتساقطات الذي سجل في جبل لبنان في 25 آيار الماضي أدى الى غسل الندوة العسليه (المن) التي تفرزها حشرات المن على اشجار السنديان والتي تعتبر مصدراً هاماً للعسل".
كما أن التغيرات المناخيه من حيث تقلبات الحرارة أو توقيت وكمية المتساقطات "يقلل من كمية أو إنعدام هذه الندوة، مما ينقص في موارد الغذاء للنحل الذي يؤثر على انتاجية العسل"، بحسب ما توضح بوناصيف. 
وتضيف: "في العادة كنا نشهد يوم شتاء واحد في بداية شهر آيار، إنما هذا العام تساقطت الأمطار منذ أواخر شهر نيسان لغاية نصف آيار، فكان الطقس شبيهاً بطقس آذار". 
وتجدر الإشارة إلى أن كمية الأمطار التي تساقطت في الفترة المذكورة، تراوحت بين 10 و27 ملم في الـ 24 ساعة وذلك يعد رقماً مرتفعاً بالنظر لحجم الأمطار السائد في فصل الربيع، كما ذكرت بوناصيف.
ومن ناحية أخرى، إن إرتفاع درجات الحراره والرطوبه عن معدلاتها في بداية شهر آيار يعتبر عاملاً مساهماً في إنتشار الامراض الفطريه مثل النوزيما، إذ تلفت بوناصيف الى أن ذلك "يؤدي الى ضعف في خلية النحل". كما تؤدي درجات الحرارة المرتفعة الى "إجهاد حراري يؤثر على صحة النحل وقدرته على الطيران والرعي"، وفق بوناصيف. 
وتذّكر بوناصيف بأحد العوامل المناخية التي سيطرت على شهر آذار الفائت، حيث شهدنا "إرتفاعاً في درجات الحرارة عن معدلاتها، وما نتج عنها من تغيرات في دورة حياة النحل كتسريع عملية التطور والتأثير على سلوك التزاوج مما يؤدي الى عدم توازن في الخلية". 
كذلك، تلفت بوناصيف الى أن التغيرات في المناخ تؤدي الى انتشار حشرة الفاروا.

ولا حبة فاكهة!

إنطلاقاً من أهمية النحل في النظام البيئي، فإن إنقراضه أو تعرضه لمؤثرات مناخية يهدد دورة حياته وإستمراريتها وذلك يصاحبه تداعيات جمّة، علماً "أننا نعيش على الكرة الأرضية في فترة النبات المزهر والتي تعود الى أكثر من 120 مليون سنة" كما يشير عازار. 
ونتيجة ما أنتجت هذه الفترة من متغيرات يقول عازار أننا "أضحينا في ظل نظام بيئي جديد، مبني بطريقة أساسية على الحشرات الملقحة والنبات المزهر الذي يشكل تقريباً 75% من النبات على الكرة الأرضية".
الى ذلك، إن النحل الذي يصنع العسل هو من سلالة Apis mellifera، إنما ثمة سلالات أخرى من النحليات مهمة للبيئة والنظام البيئي والأمن الغذائي والحياة البشرية والحيوانية عموماً. ففي لبنان يزيد عدد الحشرات التي تنتمي الى فصيلة النحل على 1200 نوعاً، بحسب ما يكشف عازار. 
وفي هذا السياق، يوضح عازار أن عدم تلقيح الزهور للأشجار المثمرة يهدد السلسلة الغذائية للإنسان، فلا يعود الإنسان أو الحيوان قادرين على تناول الفاكهة وذلك يمس غذائها الأساسي  وحياتها وتالياً تتهدد الحيوانات المعتمدة على الحيوان كمصدر للغذاء، ما يؤدي الى إنقراضها.

التلوث .. وحماية النحل!

حماية النحل ومجابهة التغيرات المناخية والتكيّف معها مأزق يطال العالم بأسره وليس فقط لبنان، وتحديداً عوامل التلوث الذي يقضي على مصادر الغذاء للنحل المنتج للعسل والنحليات الأخرى.
وهنا يشير عازار الى أن "أوروبا تعاني من إستدامة صناعة وتربية النحل، إذ أن التلوت الكيميائي في الهواء الناجم عن البلاستيك يجتاحها".
ويضيف: "أما التلوث في لبنان فهو عضوي وكيميائي أيضاً نتيجة إستخدام الوقود بإختلاف أشكاله كمصدر للطاقة والإعتماد على المولدات لإنتاج الكهرباء وغيرها الكثير والتي بدورها تصدر إنبعاثات حرارية وكيميائية، وكل ذلك في ظل غياب الرقابة والحماية من مصادر التلوث المتعددة".
ويشدد عازار على أن ما يميّز لبنان، على الرغم من التلوث في المدن، أن الريف أفضل حالاً بسبب تواجد نباتات مزهرة في الأحراج وغنى بيولوجي يمّكن النحل من الحصول على اللقاح الذي يحتاجه لتأمين الغذاء وتصنيع العسل الى حد ما".
ويؤكد عازار أن قطع الأشجار والحرائق التي تطال الأحراج والتوسع العمراني وإستخدام المبيدات الكيمائية تقلّص مساعي حماية النحل وإستمرارية السلالات المختلفة. 

محمية أرز الشوف .. جهود مثمرة!

ومن أبرز المبادرات الداعمة للنحالين في ظل التغيرات المناخية والتلوث ما تقوم به "محمية أرز الشوف الطبيعية"، إذ يشير مدير "محمية أرز الشوف الطبيعية" الدكتور نزار هاني الى أن " المحمية توفر لمربي النحل مساحة داخلها لوضع أقفارهم خلال فصل الصيف بين حزيران وأيلول على إرتفاع يتراوح بين 1300 و 2000 متراً، ليسرح النحل في أرجائها في ظل تنوع وغنى بيولوجي ولإمتصاص رحيق الأزهار وندوى المن، وبالتالي إنتاج أجود أنواع عسل الأرز والسنديان والأشواك الجبلية والنبات المزهر، وقطافه في أوقات مختلفة من السنة بحسب كل نوع من العسل". 

كما يعتبر إنتاج هذه المناحل من الأفضل في لبنان، خصوصاً أن الاقفار تتواجد في بيئة نقية وخالية من التلوث أو إستخدام أي مبيدات أو عامل مصطنع لإنتاج العسل، وفق ما يوضح هاني، مضيفاً أن "المحمية تؤمن تطوير إنتاج العسل وتعمل على تسويق جزء منه على مداخلها.

حلول كثيرة وجهود ضرورية لحماية النحل، منها إيجاد سلالات جديدة أكثر مقاومة للتغيرات المناخية وزراعة نبات مزهر يتكيّف مع المتغيرات المناخية، الإ أن الإمتناع عن الممارسات الخاطئة بحق البيئة وحماية الطبيعة يجب أن يكون الهدف الأساس للإنسان لحماية النحل وبالتالي حماية دورة الحياة على كوب الحياة!