رويداً رويداً، يوضع لبنان، بملفيه الأساسيين -الانتخابات الرئاسية والمواجهة الجنوبية- ضمن سلّة واحدة على المستويين الدولي والإقليمي.
بدأت تتشكل ملامح وجهة نظر دولية وإقليمية واقعية، تفيد بأن أي حل للأزمة القائمة في لبنان لا بد أن يكون متكاملاً ما بين الجنوب والرئاسة. وأي تسوية سياسية وعسكرية حول ترتيبات المرحلة المقبلة ستكون برعاية خارجية.
تفعّل التحرك على هذا الخطّ بعد الزيارة التي أجراها المبعوث الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان إلى بيروت وعدم تحقيق أي نتائج. على الإثر، حصلت تحركات متعددة، أبرزها تجدد الاتصال بين المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، للبحث في إرساء التهدئة في الجنوب أو خفض التصعيد، وإبقاء المواجهات مضبوطة، كي لا يحصل انفجار كبير.
الموفد القطري إلى بيروت
إلى جانب انتظار الأميركيين، الذين أصبحوا على قناعة بأنه لا بد من وقف الحرب على غزة للوصول إلى وقف لإطلاق النار في الجنوب، وإعادة تفعيل العمل بالقرار 1701، برز تحرك قطري جديد أيضاً من خلال الزيارة التي أجراها الموفد الأمني القطري جاسم بن فهد آل ثاني إلى بيروت الأسبوع الفائت. والتقى فيها المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، والمعاون السياسي للرئيس نبيه برّي، علي حسن خليل، بالإضافة إلى مسؤولين عسكريين وأمنيين.
حسب ما تقول مصادر لبنانية متابعة، فإن الزيارة تظهر اهتماماً قطرياً في لبنان واستكمالاً للمسار القطري الباحث عن تسوية وتوافق بين اللبنانيين، بالإضافة إلى الاهتمام بالوضع في الجنوب ومنع التصعيد وتطبيق القرار 1701.
تقول المصادر اللبنانية إن الموفد القطري كان شديد الاهتمام بوضع الجنوب، ولبنان يمكنه أن يراهن على أي دور لقطر في هذا المجال، انطلاقاً من دورها التفاوضي الذي تقوم به في قطاع غزة. وبالتالي، يمكنها أن تكون ذات تأثير في مسألة إرساء الاستقرار في لبنان، على وقع ترتيب وقف لإطلاق النار في غزة.
من الجنوب إلى الرئاسة
يشكل الجنوب أولوية بالنسبة إلى الجهات الدولية التي لا تريد أي تصعيد، لا سيما أن الأميركيين يحرصون على منع حرب شاملة. وتفيد المعطيات اللبنانية بأن التنسيق القطري الأميركي سيتزايد حول ملف الجنوب وملف رئاسة الجمهورية، حتى وإن كان هناك فصل بين الملفين، ولكنهما يشكلان أولوية بالنسبة إلى المجتمع الدولي.
لبنان لا يزال على شروطه بالنسبة إلى الجنوب. إذ أن المواجهات ترتبط بوقف النار في غزة، وبعدها يمكن العودة فوراً إلى ما قبل 7 تشرين الأول، ويتجدد البحث في آلية تطبيق القرار 1701. كل هذه الملفات أصبحت محط اهتمام قطري، وفق المصدر اللبناني، الذي يشير إلى البدء بالتنسيق وتلمس الأفق لإرساء اتفاق في المرحلة المقبلة. كما هو الحال بالنسبة إلى المسار القطري حول رئاسة الجمهورية، وتحضير الأرضية لإنجاز الاستحقاق، انطلاقاً من الزيارات التي يجريها مسؤولون لبنانيون إلى الدوحة.
برّي والدول الخمس
داخلياً، لا يزال رئيس مجلس النواب على موقفه، حول التمسك بالحوار كمدخل أساسي لتوفير التوافق على انتخاب الرئيس. فبرّي مستعد للتنازل عن المهلة التي وضعها وهي 7 أيام، لحصرها بثلاثة أيام، وبعدها تتوجه الكتل إلى جلسات الانتخاب، إما على رئيس توافقي أو كلٌ يصوت لمرشحه. وهو مستعد لعقد أربع جلسات متتالية بدورات مفتوحة.
تمسك برّي بالحوار لا ينبع إلا من الإيجابية التي يلحظها لدى قوى دولية وإقليمية معنية بالملف اللبناني، ويعتبر أنها مقتنعة بوجهة نظره.
أمام هذه الوقائع، هناك من يذهب إلى استنتاج إنه ما بعد الخماسية، كل دولة تسعى إلى العمل وفق رؤيتها، على أن تتقاطع فيما بعد مع الدول الخمس. فالتحرك الأميركي لا يخرج عن هذا السياق، كذلك بالنسبة إلى التحرك القطري. أما الفرنسيون فيراهنون على قمة بايدن وماكرون وما يمكن أن تحمله على الصعيد اللبناني.
ما يريده الأميركيون
الأكيد، أن ما يتشكل دولياً هو عدم قدرة إسرائيل على تحقيق إنجازات أو انتصارات كاسحة، ولا يمكنها تحقيق مكاسب إلا من خلال المفاوضات. وبالتالي، فالانتقال إلى وضعية أخرى، عسكرياً وسياسياً، لا بد أن تنخرط فيه مجموعة أطراف إقليمية ودولية لتوفير الأمن لإسرائيل واستقرارها.
في هذا السياق، يضغط الاميركيون على الإسرائيليين لدفعهم إلى تقديم تنازلات جدية للوصول إلى اتفاقات التطبيع، كضمانة لها في المنطقة. وأنه لا حلّ متاحاً إلا حلّ الدولتين. يعتبر الأميركيون أن تحقيق إسرائيل لنصر حاسم هو أمر غير ممكن. وقد أقرّوا بذلك، وعملوا على تسريب مثل هذه المواقف.
يمكن لهذه الصفقة أن تسهم في إزعاج الإيرانيين، الذين يصرون على مواصلة الضغط العسكري على إسرائيل والأميركيين، في سبيل إرساء التفاهمات معها في المنطقة.