توسيع مروحة التعاون العربي مع الشرق
06 حزيران 2024
06:55
Article Content
شكلت فعاليات منتدى التعاون العربي – الصيني الذي انعقد في بكين في 30 مايو/ايار محطة هامة لتعزيز الصداقة بين الطرفين الذين أسسا المنتدى في العام 2004، وقد تأكدت أهمية الاجتماعات في هذا التوقيت بالذات من عدة عوامل، لعلَّ أهمها مستوى المشاركة العربية الرفيعة من خلال حضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس التونسي قيس سعيد وملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وعدد آخر من الشخصيات العربية رفيعة المستوى، ويأتي اللقاء وسط توترات دولية وإقليمية في أكثر من منطقة من العالم.
وقد توقف الرئيس الصيني، كما الرئيسين الإماراتي والمصري، جلياً أمام ويلات الحرب التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين، خصوصاً في قطاع غزة، وكان التقارب في وجهات النظر واضحاً في الخطابات التي ألقيت في افتتاح المنتدى، خصوصاً بالمطالبة بضرورة تحقيق وقف فوري لإطلاق النار وفق طلب محكمة العدل الدولية، وبموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2728، والشروع في اجراء مباحثات تفضي الى تحقيق سلام دائم وشامل في المنطقة يؤمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
التوجهات العربية واضحة لناحية تعزيز العلاقة مع دول شرق آسيا وفي مقدمتها الصين، نظراً لمكانة هذه الدول على المستوى العالمي، ولتأثيرها الكبير على الحركة الاقتصادية الدولية، لاسيما على التبادلات التجارية والابتكارات الصناعية المتطورة في مختلف المجالات. والإرادة العربية تقدر عالياً تأييد الصين ودول شرق آسيا للقضايا التي تهمّ العرب، خصوصاً المسألة الفلسطينية، وفي مساهمة هذه الدول في توفير الاستقرار في العالم.
كان للرئيس الإماراتي دوراً فاعلاً في الوصول الى الغاية المرجوة في تعزيز التعاون مع الشرق الآسيوي، لأن ابوظبي كانت قد أعلنت عن رغبتها في توسيع مروحة التعاون مع الدول المؤثرة في العالم، وتنويع المصادر التي تعتمد عليها الإمارات في تحقيق رفعة تجارية وصناعية وثقافية وتكنولوجية متقدمة، وكي لا يكون التعاون مقتصراً على جهة دولية واحدة، بينما الإمارات تكنُّ الإحترام للجميع، ولديها الرغبة في تعزيز الصداقة مع أوسع شريحة ممكنة من الشعوب. وكوريا الجنوبية والصين يحتلان مكانة في صدارة الدول التي تسعى لتطوير التقنيات الحديثة في قطاعي المواصلات والإتصالات وفي مجال الذكاء الصناعي وفي التقنيات النووية السلمية، وعلى اعتبار أن الإمارات تحتلُ مركز الصدارة كأكبر شريك تجاري عربي للصين، حيث تجاوزت تبادلاتها التجارية مع بكين 284 مليار درهم عام 2022، كما وصل حجم التعاون الى مستويات مرتفعة، بحيث وظَّفت الصين 12 مليار دولاركاستثمارات في الاقتصاد الاماراتي غير النفطي، وأسست 171 مدرسة لتعلم اللغة الصينية، وسجلت الشركات الصينية ما يقارب 6600 علامة تجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وما يبيِّن التأثير الإماراتي الواضح على مسار تعزيز العلاقات بين الجهات العربية المختلفة وبين الدول الآسيوية الشرقية الواعدة؛ هو حجم الاتفاقيات والتفاهمات التي وقعها الرئيس الإماراتي سمو الشيح محمد بن زايد والوفد الكبير المرافق له في سيول عاصمة كوريا الجنوبية، وفي بكين عاصمة الصين بحضور رئيسي البلدين يون سوك يول وشي جينبينغ، وهي شملت مجالات مختلفة في غاية الأهمية، ومنها تطوير التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية وفي مرافق السياحة والتعليم والتكنولوجيا والذكاء الصناعي والاتصالات وفي قطاعات البنى التحتية وحصانة الملكية الفكرية وتخزين الكوربون وتحسين الاعتماد على الطاقة المتجددة وتطوير الصيد البحري. والبارز ايضاً في هذه الاتفاقيات؛ التزام كوريا الجنوبية ببناء 10 سفن عملاقة لنقل الغاز الطبيعي المُسال، لصالح الإمارات، بكلفة 9,4 مليار درهم، وهذه السفن تدفع بمكانة الشركات الاماراتية الى الأمام في سياق تجارة الغاز الطبيعي، وتعزِّز وجودها المباشر في الأسواق العالمية، خصوصاً في افريقيا، حيث تجهد الصين وكوريا الجنوبية الى تعزيز حضورهما في القارة.
يمكن اعتبار تطوير التعاون العربي – الصيني، والعربي مع دول شرق وجنوب آسيا في هذه اللحظة السياسية الهامة؛ علامة فارقة واضحة، وله تأثير في سياق التعاون الدولي الشامل، ذلك أن المقاربات التي تعتمدها بعض الدول الكبرى لناحية فرض شكل من أشكال الحصرية في التعاملات التجارية والمالية والنفطية وفي مجال التقنيات الحديثة؛ لا يمكن لها أن تعيش في ظل الأجواء الدولية الحالية التي تغلب عليها سِمة التوتر، او عدم الاستقرار. كما أن المشروعات المشتركة العملاقة التي تمَّ الاتفاق عليها بين عدد كبير من الدول العربية والدول الكبرى الأخرى، خصوصاً " الممر الذي يوصل بين الهند وأوروبا عبر بحر العرب وموانئ الأمارات والبحر الأبيض المتوسط ودول أخرى" وكذلك "طريق التنمية" الذي يوصل دول آسيا بأوروبا عبر دول الخليج العربي والعراق وتركيا؛ لا يمكن اعتبارها مشاريع إنمائية موجهة ضد مشروع "الحزام والطريق" الذي أطلقته الصين في العام 2013، وتمَّ التفاهم على تفعيله في بكين خلال زيارة سمو الشيخ محمد بن زايد هذه المرة ايضاً.
توسيع مروحة التعاون العربي مع الشرق، فلسفة سياسية ايجابية جديدة، تهدف الى تنويع مصادر المنفعة المشتركة، وليس موجهة ضد أحد، وهو يؤكد على أهمية وجود البدائل أمام كل الانسدادات التي قد تواجه الدول في مختلف المجالات.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.