أقفل الموفد الفرنسي جان ايف لودريان عائداً إلى باريس لتوثيق خلاصة لقاءاته ومحادثاته مع القوى السياسية والكتل النيابية اللبنانية، في تقرير سيرفعه إلى إدارته المتمثّلة بالرئاسة الفرنسية قبل إرفاقه بجدول أعمال القمة الأميركية - الفرنسية التي تستضيفها باريس في ذكرى إنزال النورماندي حيث من المقرر أن يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأميركي جو بايدن في 8 حزيران في باريس خلال زيارة الدولة الأولى إلى فرنسا حسبما أعلن «الاليزيه».
في العلن كما في الشكل، لم يتمكّن لودريان من تحقيق أي خرق يذكر بدليل ما تمّ نقله عن مصدر ديبلوماسي فرنسي لوكالة الصحافة الفرنسية، لافتاً إلى أنّ «كل فريق متشبّث بمواقفه، ما دفع لودريان إلى تحذير المسؤولين الذين التقاهم من أنّ وجود لبنان السياسي نفسه بخطر مع استمرار الشرخ في البلاد». ما يعني أنّ الملف الرئاسي لا يزال مقفلاً أمام ضغوط المجتمع الدولي وتحديداً باريس التي تبدي اهتماماً استثنائياً مضافاً إلى جهود «الخماسية» والتي هي أحد مكوناتها.
اللافت، أنّه ما كاد لودريان يصل إلى بلاده حتى كان الموفد الأميركي آموس هوكشتاين يكشف علناً ما يتمّ التداول به على نطاق ضيق حول أنّ «اتفاقاً للحدود البرية بين إسرائيل ولبنان يتم تنفيذه على مراحل»، وقد بدت معالم اليوم التالي بالنسبة للحدود الجنوبية في لبنان واضحة بالنسبة له، وكأنّ المسألة تتوقف فقط على إعلان ساعة الصفر المرتبطة بالهدنة في غزة، ليبدأ التنفيذ.
في الواقع، يقول المطلعون على مداولات سفراء الخماسية إنّ حركة هؤلاء ليست عبثية ولا هي تقوم على تقطيع الوقت أو ملء الفراغ ببعض اللقاءات والمحادثات، لا بل ثمة مجهود مرئي وآخر غير مرئي يفترض أن يتظهّر في التوقيت المناسب ربطاً بالأحداث الإقليمية المتسارعة. ويضيفون أنّ جولة لودريان لم تطمح إلى تحقيق الكثير من الإنجازات أو الإنقلابات في المواقف، وإنما إلى تقريب وجهات نظر القوى المختلفة، لا سيما تلك المتباعدة كثيراً لكي يدنو كل من جانبه بمسافة متساوية من بيان «الخماسية» الأخير حتى يتم الاتفاق بشكل غير مباشر على الآلية التي نصّت عليها الفقرة الثالثة من البيان، والتي جاء فيها: «يرى سفراء دول الخماسيّة أن مشاورات، محدودة النطاق والمدة، بين الكتل السياسية ضرورية لإنهاء الجمود السياسي الحالي. وهذه المشاورات يجب أن تهدف فقط إلى تحديد مرشّح متفق عليه على نطاق واسع، أو قائمة قصيرة من المرشحين للرئاسة، وفور اختتام هذه المشاورات، يذهب النواب إلى جلسة انتخابية مفتوحة في البرلمان مع جولات متعددة حتى انتخاب رئيس جديد. ويدعو سفراء دول الخماسيّة النواب اللبنانيين إلى المضي قدماً في المشاورات والوفاء بمسؤوليتهم الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية».
ويرون أنّ المحطة المقبلة ستتمثل في البيان الذي سيصدر عن قمة النورماندي في ضوء المعطيات التي تشير إلى انخراط أميركي جدي في الملف اللبناني، خلافاً لتقديرات البعض، لافتين إلى أنّ «لهجة» البيان المرتقب هي التي ستحدد طبيعة المرحلة المقبلة. يشير هؤلاء إلى أنّه على الرغم من الجمود الظاهر في العلن على وجه مياه الرئاسة اللبنانية، ثمة حراك خفي ولو بطيء يأخذ مداه، ويفترض أن يكتسب دينامية إضافية مع خروج البيان الأميركي- الفرنسي إلى العلن، والذي يفترض وفق المؤشرات الأولية، أن يدفع اللبنانيين إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي سريعاً.
ويشيرون إلى أنّ ما تقوم به «الخماسية» من حراك مكوكي بين القوى اللبنانية يشبه في مساره العمل التفاوضي الذي قام به هوكشتاين، بشكل يساعد على إنجاز الملفين الحدودي والرئاسي بشكل متزامن فور إعلان وقف إطلاق النار أو الهدنة. وفي تقدير هؤلاء، لم يعد هذا الإعلان صعب التحقيق ويفترض أن يتمّ التوصل إليه خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ما قد يفتح الباب أمام تكثيف الحركة الدبلوماسية في لبنان على صعيدين: الصعيد الأول حدودي ويتولاه هوكشتاين، والصعيد الثاني رئاسي ويفترض أن تتولاه الخماسية. ولهذا، فإنّ المجهود الذي يُبذل في هذا الوقت هو من باب تحضير الأرضية ونزع الألغام والتخفيف من منسوب التعقيدات والخلافات على قاعدة الآلية التي حددها بيان «الخماسية» والتي حسمت طبيعة الرئيس الجديد بأن يكون توافقياً يمثل أغلبية جديدة قادرة على تشكيل حكومة العهد الأولى بشكل سريع... لتُترك اللمسات الأخيرة، التنفيذية، إلى بعد الهدنة.