محور نتساريم: الحرب بعد رفح وبوابة السيطرة على غزة
31 مايو 2024
10:11
آخر تحديث:31 مايو 202410:19
Article Content
محور نتساريم، أو ما يعرف أيضًا بممر نتساريم، هو الحاضر في كل ورقة تفاوض بشأن غزة، حيث يعتقد الجميع أن من يسيطر عليه سيحكم غزة بعد انتهاء الحرب، قد يقول البعض إن هذا الممر هو مجرّد ممرّ أنشأته إسرائيل خلال حربها للفصل بين شمال وجنوب القطاع، لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا وأهمية من ذلك بكثير، وقد يكون أكبر دليل على ذلك هو تكرار ذكره في مقترحات الوسطاء لاتفاقات وقف إطلاق النار في غزة. فما هي أهميّة هذا الممرّ وما علاقته بميناء الولايات المتحدة الأميركية المزمع بناؤه على ضفاف بحر غزة؟
في الواقع، إسرائيل ترى في هذا الممر أداة لضمان عدم قيام كيان مستقل في غزة بعد الحرب، أما المقاومة الفلسطينية فتعتبرها نقطة استراتيجية تستحق التضحية من أجلها، حتى لو استمرت الحرب لسنوات، وذلك لأسباب أهمها أن هذا الممر سيكون بمثابة "إمعان إسرائيلي في التضييق على قطاع غزة خاصة وأنه قد يكون الفرصة للسيطرة على غاز غزة وثرواتها"، إضافة إلى أنه سيكون نقطة مهمّة للممر الهندي الأوروبي بمواجهة طريق الحرير، بحسب ما قاله الدكتور عامر الشوابكة المحلل والباحث الاقتصادي لجريدة "الأنباء" الالكترونية.
الخلفية التاريخية
أسست إسرائيل مستوطنة نتساريم عام 1977 على بعد خمسة كيلومترات من مدينة غزة، بمساحة تقدر بـ 2.325 كلم2، بينما امتدت أراضي المستوطنة لتصل إلى 4.3 كلم2 لتأمين مناطق فاصلة لحماية المستوطنين حينها. ومع اشتداد هجمات الفصائل الفلسطينية، اضطرت إسرائيل لإجلاء المستوطنين من نتساريم في آب 2005، قبل عامين من سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وانسحاب إسرائيل الكامل.
العودة إلى نتساريم كقاعدة عسكرية
لا شك بأن الاحتلال يبدو أنه يريد عودة نتساريم، ليس كمستوطنة سكنية، بل كقاعدة عسكرية متقدمة. إذ بعد هجوم 7 أكتوبر أنشأ جيش الاحتلال محور نتساريم الذي يمتد من شرق القطاع إلى غربه، في إشارة واضحة إلى نيتها بعدم الانسحاب مرة أخرى. تجهيز المحور بوحدات ومرافق عسكرية، وكتابة الجنود عبارة "مرحبا بكم في قاعدة نتساريم" على حواجز خرسانية، يعكس تصميم إسرائيل على الاحتفاظ بهذه المنطقة ويعكس أيضا أهمية هذه المنطقة بنظر الاحتلال، وتبرز جليًّا نيّتها الاستعمارية العلنية.
يمتد محور نتساريم على طريق 794 لمسافة تزيد عن ستة كيلومترات من الخط الفاصل بين غزة ومستوطنات الغلاف إلى الساحل غربًا، ما يتيح لإسرائيل رسم خط عسكري يفصل شمال غزة عن جنوبها. في نهايته من جهة الشاطئ، يقع اللسان البحري الذي يشارك في بنائه الجيشين الأميركي والإسرائيلي، بهدف معلن هو إيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة، لكن الأهداف الحقيقية تشمل مراقبة القطاع، الإشراف على العمليات العسكرية فيه، وعزل شمال قطاع غزة عن جنوبه، عدا عن الدور الاقتصادي المهم الذي يحتوي هذا الممر.
الأبعاد الاقتصادية والسياسية
محور نتساريم يعد بوابة لميناء بايدن المزمع بناؤه على شاطئ البحر بالقرب من منطقة الشيخ عجلين. هذا الميناء يتم بناؤه بحجة تسريع وصول الإمدادات والمساعدات العسكرية الأميركية لجيش إسرائيل، وضمان تدخل أميركا الفوري في حالة الحاجة، ويضمن اتصالًا دائمًا بين القواعد العسكرية الإسرائيلية والأميركية في المنطقة، إنما الحقيقة فهي أن الممر يسهّل السيطرة على حقل غاز غزة إذ لا تقل الأهميّة الاقتصادية من هذا الممر عن أهميته العسكرية والسياسية.
في هذا السياق، يشير د. الشوابكة إلى أن "سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على هذا الممر وإعادة فتحه مجددا بعد حوالي 20 عاماً من الانسحاب من هذه المنطقة تحديدا يظهر نيتها أولا باقتراب محاولاتها لتنفيذ مشاريعها الاقتصادية مستغلة الموارد الموجودة في المنطقة، وثانيا بالسيطرة على غاز غزة خصوصا الموجود في حقول مارين 1 و 2 والتي كانت تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، إنما مع بدء ظهور النوايا المبيّتة بالسيطرة الأميركية- الإسرائيلية على غاز غزة فهذا الأمر سيتبدّل خاصة وأن عائدات هذا الغاز تقدّر سنويا ب 3 مليار دولار في حال تم استخراجه وضخّه وتصديره بعد ربطه بشبكة اسرائيل للغاز عبر أنابيب إلى القارة الأوروبية وهذا المخطط كان واضحا من اقتراح المنصة التي عرضت من قبل وزير خارجية الاحتلال في الاتحاد الأوروبي والتي هي بالقرب من ممر نتساريم".
ويضيف الشوابكة أنه من المشاريع الاقتصادية التي تطمح لها اسرائيل إذا ما سيطرت على جغرافيا غزة هو "الحلم الاسرائيلي بتنفيذ قناة بن غوريون والتي ستكون بديلة لقناة السويس وتسّهل المرور عبر قناة تشق طريقها ما بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وبجدوة اقتصادية قد لا تتجاوز ال5 سنوات باستعادة التكاليف التي قد تنفقها لبناء هذه القناة الجديدة، وهذا حتما سيجعل لاسرائيل نفوذ من نوع آخر في المنطقة وقوّة على الصعيد الدولي والاقليمي عدا عن العوائد القتصادية التي ستجنيها إن كان من هذه القناة أو من الممر الاقتصادي وحتى من المردود التي قد تجنيه من غاز غزة الطبيعي".
ردود الفعل الفلسطينية
الفصائل الفلسطينية تدرك الأهمية الاستراتيجية لهذا الممر، ولذلك تركز هجماتها عليه بشكل شبه يومي ورأينا أيضا ردها الأول بعد فشل المفاوضات لوقف إطلاق النار كان بضربة على أحد المواقع العسكرية في نتساريم، ما أدى إلى إعلان الجيش الأميركي تعليق أعمال بناء الرصيف البحري في غزة مؤقتًا. ورغم مزاعم أميركا بأن التعليق بسبب سوء الأحوال الجوية، فإن الحقيقة هي أن أميركا تدرك أن من لا يستطيع حماية محور نتساريم لن يستطيع حماية قاعدة "ميناء المساعدات".
محور نتساريم ليس مجرد ممر عسكري، بل هو جزء من استراتيجية شاملة لإسرائيل والولايات المتحدة تهدف إلى السيطرة على قطاع غزة وضمان عدم قيام كيان مستقل فيه. هذا المحور سيظل نقطة صراع رئيسية في المستقبل، حيث تسعى الفصائل الفلسطينية وإسرائيل لتحقيق أهدافهما المتعارضة عبر السيطرة عليه.
ختاماً ووسط "الأحلام" التوسّعيّة للاحتلال الإسرائيلي، لا بد من الإشارة إلى التوتّر الحاصل بينها وبين مصر منذ يوم الإثنين الماضي، وأن ما يشكّله ممر نتساريم والممر الهندي من ضرر على اقتصاد مصر، لا يقل أهميّة عما قد يشكّله التعمّق "بالسيطرة على محور فيلاديلفيا" من خرق لاتفاقية كامب ديفيد، فإذا كان إدعاءات الاحتلال بالسيطرة على محور فيلاديلفيا حقيقة هذا يعني أن المنطقة برمّتها قد تكون داست على لغم سينفجر بالجميع!