Advertise here

العقلُ يُهدي!. مَن يستجيب؟

02 كانون الثاني 2019 19:51:00 - آخر تحديث: 03 كانون الثاني 2019 09:47:24

أصواتُ الحكمة أصبحت معدومةً في زمنِ الحاجةِ الماسةِ إليها. وصوتُ العقلِ برغم نُدرتِهِ, لا زال كَصِياح الديكِ عند الفجرِ, دقيقاً بتوقيته, صلباً بصراخه, صادقاً بمناداته وواثقاً بعناده. قلةٌ تصحو على إصرارِهِ, وتلتزمُ دقته, وتأخذ بدوره الطبيعي. صوتُ العقلِ لا زالَ يُقاوم بثقة العارف المُدركِ بخطورة ما آلت إليه الأوضاع الإقتصادية والمالية لبلدٍ يَصحُ القول فيه أنه أصبح مكشوفاً ومهدداً وعلى حافة هاوية وأمام مُنحدر عميق, أكثر من أي وقتٍ مضى. فالحاضنة العربية التي إعتاد لبنان اللجوء إليها عند كلِ حاجةٍ وضرورة, تمرُ بحالةِ إستياءٍ شديد, وذلك بسببِ آلية تعاطي بعض المجموعات اللبنانية المؤثرة والفاعلة مع القضايا الإقليمية الكُبرى, إلى جانب حالات التملمُلِ المُتكررة داخل مُكونات الحكومات المُتعاقبة وما نتجج عنها من ضياعٍ وسوءِ موقفٍ ورؤيةٍ. ولم يكُن بعض إعلام الممانعة أقل إستهتاراً ومسؤولية, بل ساهَمَ بدوره في تأجيج الإختلاف والتباين في وجهات النظر ليتحول بفعله ودوره ومصالحه وعدم إنضباطه إلى صراعٍ مفتوحٍ من جانب واحدٍ. وبذلك لم تحصد تلك الدول الشقيقة, الداعمة والحاضنة, إلا الإفتراء والعقوق ممن كانت لهم خير سندٍ في أقسى الظروف وأحلكها..
إن السياسات الخاطئة الناتجة عن الخلل البارز في بُنية نظامنا السياسي خلال العقود المُنصرمة والتي قامت على قاعدة التهميش دون أن تؤسس لدولة ومواطنة, إن كان قبل الحرب ومن زمن الإستقلال والتي كانت إحدى أسبابها ودوافعها, أو ما نتج بعدها من حالات مُشابهة والتي جعلت الإقصاء قاعدة في سلوكها وهدفاً من أهدافها. عدم التماسك هذا نال من قُدرة لبنان ومناعته وحوله إلى قاربٍ وسط محيط هائج, فاقد السيطرة حيناً, الرؤية أحياناً, لديه من الربابين ما يجعل كل الإتجاهات وُجهته.. 
تكاثرت وتراكمت وتوالت الأحداث, وإنشغل اللبناني بكيفية عبوره من منطقة فيها الكثير من المخاطر إلى مساحة أقل خطراً وأكثر أماناً, ولا زالت التجارب القاسية ذاتها تتجدد مع كل جيلٍ إلى يومنا هذا, بل يعيشها أبناءُ الجيل الواحد أكثر من مرة بأكثر من جرحٍ وأكثر من ألمٍ.
برغم إنكشاف التجارب الحديثة منها والأقل حداثةً, لا زال الضجيج ذاته, ولا زالت التعبئة قائمة, دون وعيٍ أو إدراكٍ أو درايةٍ, بأن المكاسب في مرحلةِ السقوط تتساوى وتتماثل بين "مُنتصرٍ" واهمٍ بنصره "ومُنهزمٍ" ضحية ذلك الإنتصار المزعوم. 
لكلِ هذا, علينا العودة إلى صوت العقل, صوت وليد جنبلاط, ليكون الكابح لهذا الهيجان الخارج عن كل قواعد المسؤولية. والعودة إلى الداخل, الداخل الحاضن لنا جميعاً, وإختبار التواضع, ففيه الكثير من القوة والحكمة, والخروج من الأنا المتحكمة بالمجموعات المُنقسمة من يوم تكوينها في هذا البلد الجريح, وعدم إستحضار التفوق العددي عند فئة ومجموعة, بل التأكيد على التعددية المتجانسة, المنسجمة والقادرة على خلقِ بيئةٍ قادرةٍ على الإنتقال بلبنان الذي يستحقه ويحتاجه أبناؤنا من بعدنا...