العميد المتقاعد أنور يحيى
حدّدت المادة 12 من المرسوم الاشتراعي رقم 102/1983، #قانون الدفاع الوطني، أن مسؤولية حفظ الأمن الداخلي تقع على وزير الداخلية مع مراعاة الأحكام التي نصّت عليها القوانين الخاصة. كما نص القانون رقم 17/1990، تنظيم قوى الأمن الداخلي، الباب الثاني، على إنشاء مجلس الأمن الداخلي المركزي ضمن إدارات وزارة الداخلية ويضمّ:
1-مجلس مركزي يتألف من:
-وزير الداخلية رئيساً
-النائب العام لدى محكمة التمييز، محافظ مدينة بيروت، قائد الجيش (أو من ينتدبه في الحالات التي تحول دون حضوره شخصياً)، المدير العام لقوى الأمن الداخلي، المدير العام للأمن العام (أعضاءً).
-ضابط قائد من قوى الأمن الداخلي برتبة مقدم وما فوق يُعيّن بمرسوم بناءً على اقتراح وزير الداخلية بعد استطلاع رأي المدير العام لقوى الأمن الداخلي (أميناً للسر).
2-مجلس فرعي في كل محافظة يتألف من:
-المحافظ رئيساً
-النائب العام الأستئنافي، قائد المنطقة العسكرية، قائد سرية الدرك الإقليمية، أو قادة سرايا الدرك الإقليمية في المحافظة، ضابط الأمن العام المسؤول في المحافظة (أعضاءً)
-أمين سر عام المحافظة (أمينا للسر)
أ-يتولى المجلس المركزي:
درس ومناقشة الشؤون الأمنية، تبادل المعلومات بين الأجهزة الممثلة في المجلس، تنسيق العمل بين هذه الأجهزة، اتخاذ القرارت والتوصيات المناسبة عند الاقتضاء.
ب-تتولى المجالس الفرعية المهام المحددة للمجلس المركزي على صعيد المحافظة.
يحق لرئيس المجلس استدعاء من يراه مناسباً لحضور اجتماعات المجلس وكان حضور ممثل رئيس فريق الأمن والاستطلاع في القوات العربية السورية شبه الدائم بدعوة من رئيس المجلس، أساسياً لعقد الاجتماعات نظراً لوجود القوات العربية السورية المنتشرة على الأراضي اللبنانية وتأثيرها الأمني الهام وكم من مرة تأجلت إجتماعات المجلس ريثما يعود هذا الضابط من سوريا لأسباب عديدة. استمر ذلك حتى 25 نيسان 2005، حين اكتملت مغادرة هذه القوات للأراضي اللبنانية.
أُلحقت بالمجلس المركزي أمانة سر دائمة من مهامها:
- تلقي المعلومات من الأجهزة الممثلة في المجلس وتقوم بتحليلها وتقييمها وتصنيفها ومتابعتها.
- إيداع نتائج التقييم رئيس المجلس والمراجع المختصة.
- تحضير جلسات المجلس، تنظيم محاضر الاجتماعات، ومتابعة تنفيذ القرارات والتوصيات المتخذة.
صدرت لاحقاً قرارات عديدة لوزراء الداخلية قضت بإنشاء مكتب معلوماتية لدى الأمانة الدائمة لمجلس الأمن المركزي يُعنى بمكننة وتنظيم وفرز وتخزين المعلومات الواردة من مختلف الإدارات والأجهزة الأمنية بغية تحليلها ومقاطعتها، وتم تزويده باللوجستية والعديد المطلوبين.
إن دور أمين سر المجلس وفريقه هام جداً لاستنتاج القاعدة (Inference) من المفترضات الكثيرة (Premises) المعروضة وتقديم الاستنتاج إلى وزير الداخلية، لأخذ القرار المناسب الذي ينعكس أمنياً على مستوى الوطن كله.
إثر أستشهاد الرئيس رفيق الحريري بتاريخ 14/2/2005، أوفد الأمين العام للأمم المتحدة نائب مفوّض شرطة إيرلندا بيتر فيتزجيرالد Peter Fitz Gerald الى لبنان، رئيساً لبعثة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق عن أسباب جريمة تفجير الرئيس الحريري وملابساتها ونتائجها، لمدة شهر (لغاية 24/2/2005) وقدّم تقريره بالنتيجة الى مجلس الأمن الدولي ونشرته جريدة النهار الصادرة في بيروت بتاريخ 26/3/2005 الصفحة الثامنة وممّا تضمنه التقرير:
"إن التنسيق بين الوكالات الممثلة في مجلس الأمن الداخلي شبه معدوم، ويخضع التبليغ للولاءات الشخصية والسياسية بدلاً من التدابير الدستورية، وإن رؤساء هذه الوكالات يُبلِغون الأشخاص الذين عيّنوهم ويدينون لهم بالولاء ويحتفظون بالمسائل غير المهمة للمجلس. وهناك غياب حادّ للإشراف أو المراجعة القانونية لعمل الوكالات بالمجلس. كما ثبت وجود إهمال خطير ومطرد في أجهزة الأمن اللبنانية لدى اضطلاعها بالواجبات التي يؤدّيها أيّ جهاز أمن مُحترف".
تضمّن التقرير ستة مجالات رئيسية بوصفها أولويات لإصلاح الأمن في لبنان وهي:
أ-فصل الأمن عن السياسة وإقامة خدمة أمن تتمتع بالاحتراف المهني.
ب-إضفاء الصبغة الوطنية على أجهزة الأمن بعزلها عن التأثير الأجنبي والنأي بها عن الطائفية.
ج-إقامة دائرة شرطة ديموقراطية، مع الاهتمام خاصة بحكم القانون وحقوق الإنسان.
د-وضع مسارات واضحة للإبلاغ.
هـ-بناء القدرات.
و-العمل بآليات واضحة للمساءلة والإشراف القضائي.
"كما جزم المفوض بالغياب المطلق لمعلومات الاستخبارات وضعف أو عدم المعلومات في ما بين الأجهزة المشتركة بالتحقيق".
إن مجلس الأمن الداخلي استُحدث بقانون 17/1990 ولم نلحظ بتاريخ قوى الأمن الداخلي منذ الاستقلال 1943، سوى مجلس أمن للدولة تم تشكيله بموجب المرسوم رقم 4851 تاريخ 15 كانون الثاني 1946 من:
-وزير الداخلية (أو من ينتدبه) رئيساً.
-مدعي عام الاستئناف، مدير الداخلية العام، قائد الجيش، قائد قوى الأمن الداخلي (يمثل قائد الدرك ومدير الشرطة)، مدير الأمن العام، أعضاءً.
ومن مهامه بحث القضايا التي لها علاقة بأمن الدولة وسلامتها ويقترح على الحكومة اتخاذ التدابير اللازمة لصيانة الأمن والمحافظة على سلامة الدولة.
استمر العمل بهذا التنظيم لحين صدور تنظيم قوى الأمن الداخلي: مرسوم اشتراعي رقم 138/1959، مع ترتيبات الرئيس فؤاد شهاب (1958-1964) الأمنية والعسكرية والإدارية والمالية سنة 1959.
إن وزير الداخلية هو حاكم لبنان الإداري، كما سمّاه وزير الداخلية السابق المرحوم كمال جنبلاط، والمسؤول أمام مجلس الوزراء، يُحدّد السياسة الأمنية بصفته رئيساً لمجلس الأمن الداخلي المركزي، الإدارة الأمنية الأسمى في لبنان، وضابط الأمن الوطني، ورئيساً تسلسلياً للمدير العام للأمن العام والمدير العام للأمن الداخلي، وقائد جهاز أمن المطار، وترتبط به إدارة محافظات الوطن عبر المحافظين المعيّنين وفقاً للأصول، وتتمثل في المجلس كافة القوى المسلحة وفقاً لتعريف المادة الأولى من قانون الدفاع الوطني.
يتولى رئيس المجلس عرض القرارات والتوصيات على الأعضاء ويطلب من كل جهاز تنفيذ المهمات التي تُعدّ من اختصاصه وفقاً للقوانين وهو يراقب مستوى التنفيذ لضمان نشر الأمن وضمان السلامة العامة في الوطن.
إن مسؤولية الأمن تنتقل الى قيادة الجيش عند إعلان المنطقة العسكرية (ضمن المحافظة) أو إعلان حالة الطوارئ بقرار مجلس الوزراء ولمدة قصيرة يقرّها مجلس النواب ضمن مهلة ثمانية أيام من تاريخ القرار وإلا يبطل حفاظاً على الحريات العامة وحقوق الإنسان التي كفلها الدستور اللبناني.
إن تعاون الجيش اللبناني والأمن العام والأمن الداخلي كشف خفايا جرائم خطرة ومنها: مقتل باسكال سليمان، وجريمة قتل محمد سرور وغيرهما، ويُنفذ الأمن العام إجراءات صارمة لضبط إقامة النزوح السوري في لبنان وترحيل بعضهم وفقاً لخطة أقرّها مجلس الأمن الداخلي وباشر بها فعلاً.
في سبيل تفعيل عمل مجلس الأمن المركزي نقترح ما يأتي:
1-إضافة المدير العام لأمن الدولة، وقائد جهاز أمن المطار، والمدير العام للدفاع المدني الى عضوية المجلس.
2-سرعة تبادل الاستخبارات الأمنية، خلاصة تحليل أمانة سر المجلس للمعلومات الواردة من الأجهزة الممثلة في المجلس، بين القادة الأمنيين بثقة وتعاون وكل بحسب صلاحياته وليس بمقاييس طائفية أو سياسية، بل لمصلحة الوطن.
3-استثمار بنود الإصلاح الستة وفقاً لتقرير بيتر فيتزجيرالد (2005) وأهمّها إضفاء الصبغة الوطنية على الأجهزة الأمنية وتطبيق المادة 95 من الدستور بعدم حصر قيادات وإدارات بطوائف محددة، فالأمن وطني بامتياز ووزير الداخلية مؤتمن عليه بالقانون ويجهد لتطبيقه في ظروف صعبة ودقيقة وغمكانيات لوجستية وبشرية محدودة وظروف أمنية وعسكرية خطرة دون سقف زمني، ولا سيما منذ اشتعال الجبهة الجنوبية بتاريخ 8/10/2023.
* قائد الشرطة القضائية سابقاً
عضو المنظمة الدولية للمحللين الأمنيين IALEIA