الجامعة اللبنانية.. مواجهة ناعمة لتحديات في غاية الخشونة

27 أيار 2024 07:36:55

انعكست الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية المتفاقمة في لبنان على قطاع التعليم بشكل رئيسي، وتحملت الجامعة اللبنانية الوزر الأكبر من التبعات، لأنها تحتضن الغالبية العظمى من طلاب التعليم العالي اللبنانيين والوافدين، ولولا الجهود المضنية والتضحيات الكبيرة التي بذلتها ادارتها الجديدة وموظفوها ورابطة المتفرغين والأساتذة على اختلاف مسمياتهم، لما تمكنت من الوقوف على رجليها بعد عناء.

مشكلات الجامعة متعددة ومتنوعة تبدأ من تراجع قيمة موازنتها المالية بشكل هائل، وصولا إلى النقص في عدد الموظفين ووجود عدد كبير من الاساتذة المتعاقدين بالساعة والذين لا يحصلون على الحدود الدنيا من حقوقهم بالاستقرار المالي، وأساتذة الملاك يذهبون إلى التقاعد في سن مبكرة على غير ما هو معمول به في جامعات العالم. لكن الطامة الكبرى التي تواجه الجامعة، هي في التدخلات السياسية في شؤونها، واعتبار كلياتها الـ 19 مرتعا لمقاصة خدماتية، لا تتوانى غالبية الأحزاب ـ او الطوائف ـ من الشروع في طلب حصتها من الفروع ومن الأساتذة ومن الموظفين، وصولا احيانا إلى حدود التدخل في قضايا أكاديمية بحتة، لا يجوز فتح خباياها أمام غير أهل الجامعة.

أعلن المتعاقدون من الأساتذة الإضراب للمطالبة بتثبيتهم ليتقاضوا بدل أتعابهم شهريا ويحصلون على الضمانات الاجتماعية من صندوق التعاضد وفق الأصول. لكن عدد هؤلاء تجاوز 1800 متعاقد، وهناك شكوك حول حاجة الجامعة لكل هذا العدد، بعدما أصابها من تراجع كبير في عدد المنتسبين اليها من الطلاب، فبعدما كان العدد 85 ألف طالب، المعلومات تؤكد أنه قد يتراجع في السنة القادمة إلى ما دون 50 ألفا، وأهم أسباب تراجع العدد، اتخاذ حكومة تصريف الأعمال في جلستها بتاريخ 19 مارس الماضي قرارا بإعطاء رخص لجامعات خاصة بفتح فروع جديدة وتسجيل طلاب باختصاصات كانت حكرا على اللبناني، لاسيما اختصاصات كلية الآداب على اختلافها.

وهناك مشكلات كبيرة تواجه تفرغ الأساتذة المتعاقدين، بحيث لا يوجد توازن طائفي او مذهبي في أعدادهم، وربما يكون بعضهم غير مستوف للشروط من حيث ساعات التعاقد ومن حيث الكفاءة ومن حيث عدم الحاجة لهم. وبينما ترى مصادر في الثنائي (الشيعي): أنه ليس بالضرورة أن يكون التوازن الوظيفي في كل القطاعات، والدستور لم يتحدث إلا عن المناصفة في وظائف الفئة الأولى «والشهداء في الجنوب لا يسقطون وفق قاعدة التوازن» وهم ينتمون بمعظمهم إلى الطائفة الشيعية. فقد طلب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط من وزير التربية والتعليم العالي الموافقة على كامل أسماء الملف إذا كانوا من المستحقين، من دون الأخذ بالمعيار الطائفي. لكن ذلك لا يكفي بطبيعة الحال، لأن تركيبة مجلس الوزراء لا تسمح بتمرير القرار، كما أن المرجعيات المارونية ـ الروحية والحزبية ـ أبلغت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنها لا توافق على أي توظيف مهما كان نوعه بغياب رئيس الجمهورية.

لا يبدو أن الجامعة اللبنانية تحظى بالرعاية الكافية من المرجعيات المتنوعة، وغالبية هؤلاء لديهم عاطفة واضحة تجاه الجامعات الخاصة «العريقة القديمة منها والجديدة»، ومنهم من يطالب بتقسيمها على الطريقة «الفرنسية» هروبا مما يسمونه «هيمنة الثنائي» على ادارتها العليا، وبالتالي التحكم بطلبات التعاقد والترفيع وغير ذلك، ولأن غالبية الطلاب المسيحيين يتعلمون في الجامعات الخاصة او في الخارج، وقلة قليلة منهم تقصد الجامعة اللبنانية.

مؤسسات تقييم المستوى العلمي ـ العربية والدولية ـ تعطي الجامعة اللبنانية تصنيفات متقدمة بين جامعات العالم، وهي حافظت على مستوى أكاديمي لائق، وحصدت جوائز متعددة. وبعض التدخلات التي تحصل بين الحين والآخر في كليات محددة، لم تتمكن من تشوية صورتها، وكان لغالبية أساتذتها مستوى رفيع من المناعة، ولم يخضعوا لأي ضغوطات، وليس في الجامعة اللبنانية أي شبهات في ملفات الفساد والتزوير التي وضع القضاء يده عليها خلال السنوات الماضية.