اتسعت رقعة العدوان الإسرائيلي على لبنان، ما يفضح النوايا الحقيقية للإحتلال الذي شنّ في سلسلة غارات مكثفة القرى الجنوبية واستهدف قيادات في حزب الله وحركة حماس في غارتي النجارية ومجدل عنجر.
مصادر أمنية تخوّفت في حديث مع جريدة الأنباء الالكترونية من تفاقم الوضع الأمني جنوباً واتساع رقعة المواجهات لتشمل مناطق جديدة خارج المنطقة الحدودية، خاصة بعد تطوير حزب الله هجماته الدفاعية والرد النوعي على الاعتداءات الاسرائيلية.
وأبدت المصادر خشيتها من رفض إسرائيل أن يكون الوضع في جنوب لبنان من ضمن أي هدنة في غزة كي تتمكن من تكثيف هجماتها ضد حزب الله وفرض حزام أمني جديد للحد من وصول صواريخ حزب الله إلى العمق الاسرائيلي.
وفي هذه الأثناء، تردّدات سياسيّة حملها بيان الخماسية بعد إجتماعها الأخير في عوكر، لا سيّما بتحديدها بُعداً زمنياً لعملها مستندةً إلى وعود لم يستشفّ المتابعون لحراكها عن الجهة الفعليّة التي أوحت إليها بالتاريخ الحاسم هذا. ورغم أنّ التفاؤل مشروع إذا تمّ الإستناد إلى البيان، إلّا أنّ الأمور أبعد من هذا بكثير لا سيّما أنّ الإرتباط بات واضحاً بين الملفّ الرئاسي وما يجري في المنطقة وعند الحدود الجنوبيّة والذي لا يُمكن التنبوء إلى أين سيصل قبل وضع نقطة النهاية في حرب غزة أو الوصول إلى تسويّة إقليميّة شاملة.
الكاتب والمُحلّل السياسي نبيل بو منصف يرى في أهمية بيان سفراء الخماسية "أنها المرّة الأولى التي يُعطي فيها ملحماً تفصيلياً جدّاً حول إتفاق السفراء الذي لم ينبع من نظرتهم الخاصّة، بل إستناداً إلى المفاوضات التي أجروها مع الكتل السياسية اللبنانية". وقد تبنّى السفراء حسب بومنصف "النقاط الإيجابية الآتية: النقطة الأولى إطلاق ما سُمّي بالمشاورات المحدودة حجماً وزمناً بين الكتل الرئيسية، ذلك عوض طروحات إجراء حوار التي كانت صدرت عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، مع تحفّظ قوى المعارضة. هذه المشاورات تؤدي إلى النقطة الإيجابيّة الثانية وهي الإرساء على خيار من إثنيْن، إمّا الإتفاق على مرشح يتمتّع بقاعدة توافقية عريضة، أو الاتفاق على لائحة محدودة من المرشحين، وفي هذه الحالة يتمّ الإتجاه إلى جلسة مفتوحة للإنتخابات، وهذا الأمر على إنسجام مع الدستور اللبناني.
أمّا النقطة الثالثة، فترتكز إلى تبني السفراء لوجهة نظر بعض القوى المُستعدّة لتسريع العمليّة وإنجازها قبل الآخر من أيّار الجاري، ويُقال إن حتى بري اعتمد هذه النظرية، ومن المُمكن أن تكون بعض قوى المعارضة أيّدت هذا الإتجاه أيضاً".
ويُشدّد بو منصف خلال حديث مع جريدة "الأنباء" الإلكترونيّة، على أنّ "السفراء تبنّوا هذه النقاط التي إستنتجوها بعد جولتهم التشاوريّة، وتبيّن لهم أن هذه المسارات تُشكّل خارطة طريق لحلّ الأزمة الرئاسيّة في لبنان، فهم يحبّذون اعتمادها من دون فرض أي منها. وأبدوا إستعدادهم لترجمة هذه النقاط إنْ كانت الأطراف اللبنانية راغبة في ذلك. ومن هنا تأتي أهميّة البيان".
وعن التوّقعات حول التجاوب من قبل الأطراف اللبنانية مع هذا الطرح، يرى بو منصف أنّ "هناك فريقاً مهماً في لبنان مؤلّف من قوى المعارضة والمستقلين والتغييرين- من المُمكن أن يكون الرئيس بري ضمناً في صفهم، علماً أن لديه إعتبارات أخرى- كان من المُمكن التوصل معه إلى إنتخاب رئيس، لولا وجود فريق آخر يُعطّل العملية بفرضه مرشح واحد وهو حزب الله وحلفائه. ولو أنّ الموضوع يعود إلى الأطراف الأخرى حصراً، لما كان هناك فراغ رئاسي من الأساس، لأنهم تقاطعوا على إسم جهاد أزعور، وكان الموضوع يتطلب فقط جلسة مفتوحة، يُمكن أن تبقى مُستمرّة في حال وجود حوالي أربع مرشحين لحين إنتخاب واحد. الأمر لم يكن مُستحيلاً، لكن إستمرار فرض مرشح واحد يعني ألّا رئيس".
لكن الخطير في الملفّ، وفق بومنصف هو "ارتباط كل ذلك بات بالظروف الإقليميّة والمحليّة التي يعيشها لبنان، وأخطرها الأوضاع الأمنيّة في الجنوب. فالعالم بأكمله غير مهتم حالياً بنا بسبب التطورات الأخرى، حتى دول السفراء الخمسة أولويّاتهم غير مرتبطة بلبنان، والإهتمام لا يتخطّى مستوى السفراء".
إذاً بناءً على هذه المُعطيّات، يخلص بومنصف في ختام حديثه إلى القول: "خطورة الموضوع تكمُن في أنّ وضع الشرق الأوسط أصبح بالغ الحساسيّة في ظلّ الحرب الدائرة منذ ثمانية أشهر، والدول لديها أولويّاتها بعيداً من لبنان، وهذا الواقع يُبعد أي توّقعات متفائلة حول إنتخاب رئيس جمهورية في المدى القريب".
فلبنان ما زال في دائرة الخطر وهو بمواجهة نارين، النار المتأتية من تصاعد المواجهات جنوباً والخوف من تحويلها إلى حرب شاملة. وخطر الإرباك السياسي الداخلي غير المساعد على انتخاب رئيس جمهورية كما عبّر سفراء الخماسية في بيانهم.