Advertise here

أيّ خياراتٍ تبحث عنها بريطانيا بوجه التصعيد الإيراني؟

23 تموز 2019 10:30:00 - آخر تحديث: 23 تموز 2019 15:40:35

هل أصبحت إيران قوةً إقليمية تستطيع الردّ بالمثل على القوى الكبرى، ولا تخاف الحرب مع الولايات المتحدة الأميركية؟ أم أنها مطمئنةٌ إلى استراتيجية اللا- حرب التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما دفعها لممارسة الرقص على حافة الهاوية في لحظة الارتباك الأوروبي، وانتقال السلطة في بريطانيا؟ أم أنها أخطأت، ووقعت في فخٍ نصبه لها الغرب، إذ بات الرئيس الأميركي قوي الحجة في العقوبات القاسية التي فرضها على طهران، وبات قادراً على تأليب المجتمع الدولي ضدها، ومنها إعلان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز موافقته على استضافة قواتٍ أميركية على أراضي المملكة العربية السعودية لردع التصرفات الإيرانية العبثية.

أسئلةٌ عديدة بات يضعها المتابعون لأزمات الخليج العربي المتلاحقة، لكن من دون الحصول على إجاباتٍ مرضية. فمنذ الاعتداء على ناقلتَي النفط الإماراتيتين، إلى التفجير الذي أصاب الناقلة اليابانية، إلى إسقاط الطائرة الأميركية الموجّهة عن بُعد فوق المياه الإقليمية في مضيق هرمز، إلى اختطاف ناقلة النفط البريطانية، تستمر إيران في خطواتها التصعيدية، وكأنها تقول للعالم "أنا هنا"، وقادرةٌ على الرد، وعلى الاعتداء، ومستعدةٌ للحرب، فيما لا يتردد الرئيس الأميركي من ترداد كلامه بأنه لا يريد الصدام مع ايران، لا بل فإنه يدعو حليفته بريطانيا إلى ضبط النفس، واعتماد الطرق الدبلوماسية للإفراج عن ناقلة النفط المحتجزة.

إيران تهدّد على لسان مسؤوليها، ومسؤولي أذرعتها العسكرية في العراق، واليمن، ولبنان، وسوريا، بأنها ستشعل المنطقة إذا ما تعرضت لأي ضربةٍ عسكرية. وتقول للعالم بأن استمرار حصارها بالعقوبات، ولا سيّما منعها من تصدير إنتاجها النفطي، سيدفعها إلى إغلاق الممرات النفطية بوجه دول العالم،  وإلى دعوة الدول الأوروبية إلى تحّمل المسؤولية، والالتزام بتقديم الدعم المالي، وتنفيذ ما تعهدت به في عام 2015، أي حين وقّعت الاتفاق النووي مع إيران ضمن مجموعة (6+1)، وإلا فإنها ستكون في حلٍ من القيود التي فرضها عليها الاتفاق الدولي. 

في هذا السياق كتب علي إبراهيم مطر في جريدة "الوفاق" الإيرانية الناطقة بالعربية إنه، "عند أعتاب 'غريس 1' ينتهي الصبر الاستراتيجي لإيران فعلياً. ومع احتجاز ناقلة 'ستينا إمبيرو' البريطانية، تبدأ المعادلة الجديدة: الناقلة بالناقلة، الضربة بالضربة. لا بل قد نكون السبّاقين في حال تمّ خرق سيادتنا".

ويسرد الكاتب "الرسائل" التي ترسلها طهران من وراء احتجاز الناقلة البريطانية، وأهمها، "تثبيت معادلة التعامل بالمثل، والندّية في سياسة المواجهة مع واشنطن وحلفائها، وبالتالي الدفع نحو إفهام الأمريكي بأن الطرف الإيراني هو طرفٌ قوي لا يمكن اللعب معه على حافة الهاوية، ولديه القدرة على جعل المنطقة ناقلةً كبيرة لجثث الأمريكيين في حال فكّروا بالاعتداء على طهران".

ويعزّز الكاتب إياد أبو شقرا في "الشرق الأوسط" اللندنية نظرية إيران القوية، بقوله إن، "إيران غير خائفة، بل على العكس فإنها تتحرك باتّجاه تصعيدٍ لا يريده مهدّدوها". ويرى أن، "أي تصعيدٍ إيراني يمر من دون ردٍ غربي يعزّز مواقع النظام داخلياً، ويرجّح كفة العزة القومية على المعاناة الاقتصادية من العقوبات". ويعتبر أن، "التصعيد يقوّي مكانة إيران كلاعبٍ إقليمي، و'رقم صعب' تستطيع قوى، مثل روسيا والصين، المراهنة عليه في أي ترتيبٍ مستقبلي لمنطقة الشرق الأوسط".

إلّا أن السياسة الأميركية المقابِلة التي ترتكز على العقوبات، ومحاصرة ايران، وسحب الذرائع من يدها، من خلال تأليب المجتمع الدولي عليها، وتشكيل التحالفات الدولية بوجهها، ما هي إلّا دفعٌ لإيران نحو الهاوية، ومحاصرتها من خلال عزلها دولياً. وهذا ما أشارت إليه نورا المطيري في جريدة "البيان" الإماراتية، إذ قلّلت من شأن حرب الناقلات التي اعتمدتها إيران في ثمانينات القرن الماضي دون أن تحقّق مآربها. وترى الكاتبة أن، "نجاح أمريكا في تشكيل تحالفٍ بحري دولي لتحصين الملاحة في مضيق 'أعالي البحار'، هرمز سابقاً، وإيجاد آليةٍ للتواجد الدائم، وعمليات الرصد والإشراف والرقابة لحركة السفن البحرية في الخليج، سوف يردع بلا شك الحرس الثوري الإيراني من القيام بأية ألعابٍ بهلوانية".

وإذ تعرض الحكومة البريطانية اليوم على مجلس العموم البريطاني خياراتٍ متعددة للرد على احتجاز الحرس الثوري ناقلة النفط البريطانية في خليج عمان، دعا وزير الدولة للشؤون الخارجية، وعضو مجلس الوزراء السعودي، عادل الجبير إلى ردع أعمال إيران، بما فيها اعتراض السفن، محذراً من أن "أي مساسٍ بحرية الملاحة البحرية الدولية هو انتهاكٌ للقانون الدولي".

وقال في تغريدةٍ على حسابه في (تويتر)، "على إيران أن تدرك أن ما تقوم به من تصرفات وانتهاكاتٍ للقانون الدولي، والتي تشمل اعتراض سفنٍ مدنية، بما فيها احتجاز السفينة البريطانية في الخليج العربي، هو أمر مرفوضٌ تماماً. وعلى المجتمع الدولي ردع مثل هذه الأعمال".

فيما حذّر وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، من تصاعد العنف في الأزمة بين طهران ولندن. وقال: إن "الأمر يتعلق بمنع نشوب حرب... جميع المساعي مع الشركاء الأوروبيين ودول المنطقة موجهةٌ نحو ذلك".

بدوره وزير الدولة لشؤون الدفاع البريطاني، توبياس إلوود، أشار إلى أن بلاده تبحث سلسلةً من الخيارات للرد على احتجاز إيران لناقلةٍ ترفع العلم البريطاني، وجاء ذلك رداً على سؤال عما إذا كانت لندن تدرس فرضَ عقوباتٍ على طهران. وقال: "مسؤوليتنا الأولى، والأكثر أهمية، هي ضمان التوصل لحل مسألة السفينة الحالية، وضمان سلامة السفن الأخرى التي ترفع العلم البريطاني في تلك المياه، ثم النظر بعد ذلك إلى الصورة الأوسع".

وكانت طهران قد تعهدت منذ أسابيع بالرد على احتجاز البحرية الملكية البريطانية للناقلة (غريس 1)، والتي كانت محملةً بالنفط الإيراني، قرب جبل طارق في الرابع من تموز، ويشتبه بأنها كانت تنتهك عقوباتٍ مفروضةٍ على سوريا.

بدوره وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، قال إن، "الحذر وبعدُ النظر" هما السبيل الوحيد لتهدئة التوتر بين بلاده وبريطانيا، موجهاً أصابع الاتهام إلى واشنطن. وكتب على (تويتر): "بعد فشله في جذب دونالد ترامب إلى حرب القرن، وخشية انهيار فريقه، يسمّم جون بولتون أفكار المملكة المتحدة أملاً في جرّها إلى مستنقع". وتابع بالقول إن، "الحذر وبعدُ النظر هما السبيل الوحيد لإحباط مثل هذه المكائد".

وعلى نقيض ظريف، كتبت صحيفة "كيهان" التابعة لمكتب المرشد الإيراني علي خامنئي في افتتاحيتها أن ،"لا عار أبدا في الرد"، مضيفةً: "حتى لو كانت (الناقلة البريطانية) احترمت كل القواعد (...) كان ينبغي أن تصادرها القوات البحرية التابعة للحرس الثوري". كما برّر رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني خلال جلسةٍ نقلها التلفزيون الرسمي مباشرةً على الهواء: "ما قام به الحرس الثوري هو ردٌ على خطف بريطانيا للناقلة الإيرانية".

مسؤولٌ إيراني آخر لم يكشف عن اسمه قال لوكالة (تسنيم) الإيرانية إن، "إيران تكشف عن قوتها دون الدخول في مواجهةٍ عسكرية، وهذه نتيجة ضغوط أميركا المتزايدة على إيران". ورأى أن ما قام به الحرس الثوري هو، "ردٌ على القرصنة البريطانية". وقال: "البريطانيون قاموا بالقرصنة، والحرس الثوري رد ّعلى ذلك".

أما خيارات البحث عن مواجهة التصعيد بعيداً عن الصدام، وسياسة الضغط بهدف الترويض دون استخدام القفازات، فقد لا تأتي بنتائج مرجوة في القريب العاجل، سيّما وأن العضّ على الأصابع لم يبلغ بعد مرحلته الأخيرة. فالرهان الإيراني على إسقاط ترامب أمامه سنة كاملة. وتحديات العقوبات تضاعفُ من سياسة التهوّر والرقص على حبلٍ مشدود، سيّما وأن المصالح الدولية، وسياسات ترامب ونتنياهو الانتخابية قد تتعارض في لحظةٍ دولية حرجة، وتدفع بالمنطقة نحو الانفجار، أو البقاء على صفيحٍ بركانيٍ ساخن قابل للاشتعال.