إستحقاق إقتصادي خطير... لبنان على اللائحة الرماديّة؟

15 أيار 2024 16:56:36

 مع إقتراب الإستحقاق "الإقتصادي الخطير" في تشرين الأوّل المُقبل حيث لبنان مُهدّد بوضعه على اللائحة الرماديّة نظراً لتعاظم إقتصاد "الكاش" بسبب الفقدان التامّ لثقة اللبنانيين والمُستثمرين بالمصارف اللبنانية بعد الأزمة الإقتصاديّة التي عصفت بلبنان، وبما أنّ هذا الإقتصاد يسمح بتنامي خطر تبييض الأموال وغيرها من حركة الأموال المشبوهة، يسعى المسؤولون اللبنانيّون وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لمنع تجرّع هذا الكأس المرّ عبر سلسلة إجراءات إحترازيّة ليس آخرها محاولة حثّ المواطنين على تسديد الضرائب عبر البطاقات المصرفية وبتسهيلات مصرفيّة، إلّا أنّ ذلك لن يكون كافياً ما دامت الإصلاحات الإقتصاديّة لم تُقرّ بعد وأبرزها مكافحة التهرّب الضريبي ومنع التهريب عبر الحدود.

وفي شرح للخبيرة الإقتصاديّة والماليّة د. سابين الكيك خلال حديث مع جريدة "الأنباء" الإلكترونيّة عن خطورة وضع لبنان على اللائحة الرمادية، تُطلّ بدايةً على الوضع الإقتصادي العامّ، حيث إعتبرت أنّ "البلد في وضع ركود إقتصادي كبير جدّاً. للأسف نفقات الدولة في الموازنة العامة تدل على أنه تم تقليص المصاريف العامة إلى حدود جدّاً متدنية، لإصطناع سعر صرف دولار غير واقعي والإيحاء بأن سوق الصرف ممسوك على حساب إنتعاش الدورة الإقتصاديّة والنمو الإقتصادي".

وتتابع "في ظلّ الأزمة التي يعيشها لبنان منذ سنوات، من الضروري التفكير بحلول وإصلاحات بنيوية، لأن الخطوة الأولى على طريق التعافي الاقتصادي هي النمو، في حين أنه عملياً يتم العمل بشكل عشوائي بناءً على أرقام وحسابات لاصطناع سعر صرف وهمي لا يعكس لا الركود الإقتصادي الذي يعيشه البلد ولا الوضع العسكري والأمني في الجنوب".

إذاً وبإختصار ووفق كل هذه الأجواء، تؤكّد الكيك بأنّ "الإقتصاد في حالة إنكماش فظيعة".

أمّا عن إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، فتعلّق الكيك لافتةً إلى أنّ "هذا الملف ليس بجديد، ويعود تاريخه إلى حوالي السنتين. كلما قامت بعثة الـ FATF بزيارة للبنان تعطينا لائحة بالإلتزامات والمعايير المشروطة لتنفيذها، تفادياً للوصول إلى اللائحة الرمادية. وكلما إقترب لبنان من هذا الإستحقاق يُعطى مهلة مؤقتة جديدة لتأجيل موعد هذا الإستحقاق المحتّم لأن المعنيين على دراية بأن صندوق النقد والتقارير البنك لدولي أن الوضع الإقتصادي في لبنان ليس على ما يرام. ووزارة الخزانة الأميركية مستاءة جدّاً من موضوع إقتصاد الكاش، وعدم مسك ملف تبييض الأموال بالمستوى المطلوب، ولائحة العقوبات التي تصدر كل فترة وتصل إلى أفراد خير دليل على ذلك. هذا إلى جانب التحذيرات الضخمة جدّاً التي تصل إلى مصرف لبنان، أما مصارف الزومبي في البلد فلا تساعد على تحسين الوضع".

وتضيف "أعطي لبنان مهلة أخرى هذه المرة أيضاً، لكنها لا تعني أنه سيبتعد عن اللائحة الرمادية الآتية لا محال، لأن لبنان بعيد كل البعد عن الشفافية وعن الالتزام بالمعايير المحاسبية، في حين أنّ كل الشروط المطلوبة أساسها الشفافية، والحوكمة، وتطبيق القوانين، وإستقلالية القضاء... كلها تقع في صلب محاربة الفساد وضبط الحدود، وضبط إقتصاد الكاش وهي أمور ينزلق إليها لبنان أكثر فأكثر. المحزن بعد أكثر في الموضوع هو أن مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة الرقابة الخاصة لديهم الكثير من الصلاحيات لوضع حد للعديد من الملفات، إلّا أن المركزي يعزز إقتصاد الكاش والهروب من الإلتزامات القانونية، ويمكن أن نرى أن كل مكاتب تحويل الأموال التي ظهرت فجأة والـ ewallet التي تنشط بعلم مصرف لبنان، كلها تسير بالبلد أكثر فأكثر نحو الطريق الخطأ عوض إعادته على الطريق الصحيح"، مشيرةً إلى أنّ "إتخاذ أي خطوة بالإتجاه الصحيح، مهما كان صغر حجمها، تدل على وجود نوايا جدية بالعودة عن طريق الخطأ وتصحيح المسار، وهذا لا يحصل في لبنان".

وتوضح أنّ "وضع لبنان على اللائحة لا يتوّقف عند هذا الحدّ، بل تستتبعه إجراءات أخرى مختلفة. وحكماً ستوضع علامات إستفهام حول لبنان من قبل الإتحاد الأوروبي، لأن عادةً ما تترافق عملية وضع أي بلد على اللائحة بخطوات تتخذها مصارف أوروبية على هذا الأساس".

وعن ثبات سعر الصرف رغم أنه مصطنع، تعتبر الكيك أنّ "طالما مصرف لبنان مُمسك بالأدوات النقدية ويخنق السوق بالكتلة النقديّة سيبقى السعر على حاله، فلا الودائع يُمكن سحبها من المصارف ولا الأموال في السوق مجففة والنفقات مخنوقة إلى أقصى الحدود والسياسيين متواطئين على إصطناع حالة من الاستقرار غير الحقيقة، يقابلها تضخم في الأسعار وللقيمة الشرائية بشكل غير طبيعي. أي هزة أمنية، لا نتمنى وقوعها، قد تخرج الأمور عن سيطرة مصرف لبنان لأن الضبط الحالي أساسه سياسي لمؤازرة الحاكم بالإنابة بهدف تجميل ولايته لأقصى الحدود".

وتختم د. الكيك حديثها، متمنيّةً أنْ "يكون الموسم السياحي جيداً لتمرير هذه الأشهر، فدائماً ما يعمل لبنان بناءً على ردّات الفعل القصيرة من دون إعتماد إستراتيجية مدروسة طويلة الأمد".