دخلت زراعة القمح مرحلة جديدة في لبنان وفي محافظات عكار والبقاع والهرمل. بعد الحرب الأوكرانية - الروسية، تغيرت النظرة إلى هذه الزراعة.
التطوّر المطلوب في القطاع الزراعي اللبناني يحتاج من الدولة إلى دعمٍ أكبر للمزارع وتصريف إنتاجه، كما يفترض بالمُزارع أن يطوّر ذاته وأدواته ويختار أفضل الأنواع والأصناف التي تستطيع المنافسة، لأي زراعة يمتهنها.
في زيارته الأخيرة عكار واجتماعه بعدد من مزارعي البطاطا، حرص وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن على التأكيد أنّ لبنان سيحقّق اكتفاءه الذاتي من مادة القمح الطري الذي يدخل في صناعة الخبز، وأنّ لعكار الحصّة الأكبر من هذا الإنتاج ومن حصّة الوزارة بالمساعدات التي تقدّمها للمزارعين. لم يعر مزارعو البطاطا هذا الأمر الاهتمام في حينه، لأنّ الأساس بالنسبة إليهم البطاطا ومواسمها التي تتعرّض للمنافسة مع دخول البطاطا المصرية إلى الأسواق بكميات كبيرة. قد يكون الوزير أراد، ولو بشكل غير مباشر، القول للمزارعين أن يتّجهوا صوب الزراعات الواعدة والتي يحتاج لبنان من إنتاجها الكثير ليحقق أمنه الغذائي ويساهم في أمن المنطقة الغذائي أيضاً.
موسم القمح العكاري الذي يقترب من حصاده، سيكون واعداً هذه السنة كما يبدو وبحسب كل المؤشرات. فقد دخل عليه صنفٌ جديد هو قمح «أكساد 1133»، وقد حصلت عليه وزارة الزراعة من منظمة «المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد)»، وسلّمته بدورها إلى مزارعين في عكار والبقاع والهرمل عبر مصلحة الزراعة في المناطق. وفي إطار مسعى الوزارة لتحقيق الإكتفاء الذاتي من مادة القمح الطري، جال وفد ضمّ خبراء من الوزارة ومنظمة «أكساد» ومصلحة زراعة عكار، على عدد من الأراضي المزروعة بقمح «أكساد 1133» في سهل عكار، واستطلع آراء المزارعين بالصنف الجديد، فأكدوا أنه صنفٌ جيد من حيث الشكل والمضمون ومعقّم ونظيف، وإنتاجه وفير ويوازي ضعفي إنتاج القمح البلدي الذي كان يُزرع منذ سنوات، واوضحوا أنهم سيزرعون من هذا البذار بالتأكيد في المواسم الزراعية المقبلة، ونصحوا باقي المزارعين باعتماده، فهو قمحٌ مؤصّل، وأفضل من البلدي ويعطي إنتاجية مضاعفة، إذا تمّ حصاده بالطرق الآلية الحديثة التي تفرز القش عن الحبّ والتبن.
وفي السياق عينه، أعلن الدكتور عباس الديراني مستشار وزير الزراعة ورئيس مصلحة الزراعة في محافظة بعلبك - الهرمل، أنّ خطة الوزير والوزارة هي «الوصول إلى الإكتفاء الذاتي من مادة القمح الطري الذي يدخل في صناعة الخبز»، و»الوزارة ستزيد دعمها المزارعين في المرحلة المقبلة، لأنّ هذا القمح أثبت أنه جيد وإنتاجه وفير ومميز». وشرح الدكتور وليد الطويل عن منظمة «أكساد» أهمية هذا الصنف من القمح المؤصّل، مشيراً إلى أنّ التُّربة العكارية مناسبة لهذا القمح، وهناك عدة دول اعتمدته، منها المملكة العربية السعودية وسوريا والآن لبنان، و»الصنف مقاوم لمرض الصدأ الأصفر الأخطر على القمح»، و»كل هكتار قادر على إنتاج 5 أطنان من القمح».
المزارع محمد بوكدل الذي يزرع هذا النوع من القمح في أكثر من قطعة أرض، ألمح إلى وجود فارق كبير بين «أكساد 1133» والقمح البلدي، فهو متناسق وجيّد من كل النواحي. وشكر للوزارة ولمنظمة «أكساد» ولمصلحة زراعة عكار هذا الصنف، داعياً الوزارة في الوقت نفسه إلى مساعدة المزارع بتأمين التسليم السريع لوزارة الإقتصاد.
ونوّه رئيس مصلحة زراعة عكار طه مصطفى بالتعاون القائم بين الوزارة و»أكساد»، الذي أثمر هذا النوع من القمح، فهو قادر على المنافسة وتحقيق أفضل الأرباح للمزارعين، ومن خلاله ستدخل عكّار والقطاع الزراعي فيها مرحلة جديدة، تبرز فيها كمساهم أساسي برفد الإقتصاد الوطني ويحقّق الأمن الغذائي للبنان، وربما للمنطقة أيضاً.
الزراعات والمواسم ليس بالشيء الجديد على عكار. فالمواسم في هذه المنطقة عمرها من عمر الزمن. غير أنّ دخول عكار على حلبة المبارزة الوطنية لدعم الإقتصاد من بوابة زراعة القمح أو غيرها من الزراعات، يعدّ أمراً جديداً واستثنائياً ومطلوباً. فالمواسم الزراعية الأساسية التي تعتمد عليها عكار تاريخياً هي مواسم البطاطا والحمضيات والتفاح. والخسائر السنوية التي تضرب هذه المواسم تعود الى عوامل عدّة، بما فيها عدم اتجاه المزارع إلى أنواع وأصناف جديدة من هذه الزراعات قادرة على المنافسة وتحقيق أفضل النتائج. الخطوة التي بدأت مع زراعة القمح بأصناف جديدة تعتبر واعدة بلا شك، وقابلة للتطور والتمدد، ولا شكّ في أن نجاحها هذا الموسم أيضاً، سيُعطي الدليل القاطع على أنّ عكار قادرة على تأدية دورٍ اقتصادي مهمّ للبنان الذي بإمكانه أن يتحوّل بلداً منتجاً، وليس فقط مستهلكاً، ولكن على مزارعيها أن يحسّنوا أداءهم الزراعي عبر حسن اختيار الأصناف الجيّدة والجديدة، تماماً كما على الدولة مساعدتهم ودعمهم.