كنز مائي بأمان في الباروك ونبع الصفا... زعاطيطي لـ "الأنباء": قرار واعٍ لزعامة الجبل والأهالي
09 أيار 2024
08:41
آخر تحديث:17 كانون الثاني 202511:39
Article Content
في لوحة خلاّبة، رسمها الخالق، تُجسّد روعة الطبيعة وتُحاكي جمال جبال الشوف الخضراء، تتدفقُ ينابيع منطقة الباروك ونبع الصفا بمياهها النقية، حيث تخرج المياه من عمق الصخور لتتناغم العناصر بين المحمية وغاباتها، لتُشكّل وجهة سياحية ممتعة للمواطنين في تجربة فريدة من نوعها في أحضان الطبيعة.
وبالحديث عن الإبداع الذي يتجلّى في طبيعة سلسلة جبال الباروك، نيحا وعين زحلتا والجوار، وأشجار الصنوبر والأرز التي تُزيّن هذه الجبال، يصف الخبير الجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي في إحدى مدوّناته صورة نبع خارج من جدار صخري كربوناتي قاسي بأنها تمثل صوت الطبيعة الصارخ بالحقيقة العلمية "لبنان بلد المياه بالشرق الأوسط"، وأن "جبالنا هي مخازن حقيقية للمياه".
وفي هذا السياق، يعود زعاطيطي في حديث لـ"الأنباء" الإلكترونية بالذاكرة مشيراً إلى أنَّ "فرنسا هي مَن اكتشفت ودرست جيولوجيا لبنان (علوم الكتلة الصخرية الأرض اللبنانية)، وقد بدأت الدراسات منذ العام 1928 وحتّى العام 1955، حين جالت بعثة جيولوجية فرنسية برئاسة لويس دوبرتريه جميع المناطق ورسمت الخرائط ووضعت التقاريروخلصت إلى القول إنَّ لبنان بلد المياه بالشرق الأوسط". ويلفت زعاطيطي في هذا المجال إلى أنَّه بسبب ذلك لم تنشط في حينه الجامعة الأميركية في هذا المجال لعدم إطلاعهم على ما كتب من أبحاث جيولوجية باللغة الفرنسية.
ويذكّر زعاطيطي أنَّ "في لبنان 14 نهراً ساحلياً يتغذون من الجبال التي وصفها المرحوم إبراهيم عبد العال "أبو سد الليطاني" بأنها "مخازن حقيقية للمياه". وتحدث زعاطيطي عن تجربته الشخصية في استثمار المياه الجوفية في الجنوب اللبناني لصالح مجلس الجنوب والبلديات والمشاريع المنفّذة من قوات الطوارئ الدولية، لا سيما مشاركته في تنفيذ 40 بئراً مُنتجة داخل الشريط الحدودي المحتل من 1994 إلى 1998 لتأمين المياه للقرى الحدودية العطشى بدل خضوعهم لشرائها من العدو.
وعن تجربته في منطقة الجبل، يقول زعاطيطي إنَّ "اللافت في ينابيع الصفا والباروك أنَّ هذه المناطق ممنوع أعمال البناء في مناطق تغذيتها بالمرتفعات الجبلية التي أصبحت محمية تمنع عنها الغزو السكاني والتلوث البشري، ما يُعتبر قراراً واعياً من الأهالي والوجهاء وزعامة الجبل".
وفيما يشير إلى أنَّ عمله في دراسة موّلتها إحدى الشركات الأجنبية سمحت له بمعرفة أنها تستثمر المياه في عين زحلتا من صخور عصر الجوراسيك التي تشكل مخزناً جوفياً كربوناتياً كارستيلً ذو نفاذية الشقوق والكسور وفراغات التذويب، تبلغ سماكته حوالي 1200 متر. وأضاف: "لا يمكننا معرفة كامل المخزون المائي الجوفي بل حجم المياه المتجددة سنويا مما يدخله من أمطار وما يخرج منه من ينابيع ومن الآبار، وبالتالي فهو يمثل ثروة مائية كبيرة داخل صخور الجوراسيك لا نستطيع تُقدّير حجمها".
وعن رأيه بمشاريع السدود، يؤكّد زعاطيطي أنَّ "الجزء الأكبر من ثروتنا المائية جوفي"، متسائلاً "لماذا التخزين السطحي بواسطة سدود لا أساس علمي ولم يوصِ بها أحد من العلماء، وقد اعتمدها فريق "الاصلاح والتغيير" في العام 2010 بعد أن مررها بمجلس وزراء ضمن توزيع حصص".
وفي هذا المجال لفت زعاطيطي إلى الدور الذي لعبه الرئيس وليد جنبلاط في منع إنشاء سدّ بسري بعد أن اطّلع منه على حقيقة أن وادي مرج بسري - كما قالت البعثة الفرنسية - هو وادٍ إنخسافي إنهدامي Vallée d'effondrement، وهو ما عادت وأظهرته نتائج حفر الآبار في المنطقة لصالح مجلس الإنماء والإعمار، اذ إن وجود فراغات كبيرة ومجاري مائية ضخمة داخل صخور الجوراسيك الأعلى الكربوناتية القاسية تحت الجرفيات النهرية أدت إلى شفط الهواء من داخل الأبار وخلق حالة فراغ أدى إلى تشليق وترادم جدران الأربعة آبار المحفورة في سهل مرج بسري.
ويرى زعاطيطي أنه "كان لإقتناع وليد بك بالحقائق للعلمية عن خطورة تنفيذ السد الذي سيدمر مرج بسري الرائع ولن ينجح في تخزين مياه لهشاشة قاعدته الصخرية، الأثر الكبير في وقف هذا المشروع المدمر للبيئة والمكلف للخزينة"، مشيداً باهتمامه بالملف البيئي اللبناني ودوره في حماية الطبيعة الخلابة لمناطق الجبل العزيزة.