تترقب القوى السياسية، بدرجة عالية من القلق والحذر، التحذيرات التي حملها عدد من القيادات والشخصيات السياسية في جولاتهم على الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا، من جنوح فريق الحرب في إسرائيل نحو الجبهة الشمالية، بذريعة أنه لا حل يؤمن عودة المستوطنين إلى المستوطنات التي اضطروا للنزوح منها، والواقعة على التماس مع الحدود اللبنانية.
فالتحذيرات التي عاد بها هؤلاء من جولاتهم الأوروبية – الأميركية أدَّت، كما تقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط»، إلى ارتفاع منسوب القلق من تدهور الوضع على امتداد الجبهة الشمالية بشكل يصعب السيطرة عليه، وأن هناك ضرورة لضبط النفس والتعاطي بإيجابية ومرونة مع الجهود الأميركية والفرنسية، لعلها تؤدي إلى منع إسرائيل من توسعة الحرب، وذلك بالاندفاع نحو تطبيق القرار «1701» وعدم الاستخفاف بالتحذيرات من لجوء نتنياهو إلى تصعيد غير مسبوق للمواجهة مع «حزب الله».
وتلفت المصادر إلى أن الجهات الرسمية اللبنانية تتعاطى بجدية مع التحذيرات الفرنسية – الأميركية، وتأخذها على محمل الجد، خصوصاً أن قيادة «حزب الله» أُعلمت بها، سواء بالواسطة أو عبر قنوات التواصل مع الفرنسيين الذين يضغطون على إسرائيل لمنعها من توسعة الحرب لتشمل جنوب لبنان، وإنما هذه المرة بالتلازم مع الورقة التي قدمتها باريس لتهدئة الوضع، والتي أُخضعت أخيراً لتعديلات قوبلت بملاحظات من قبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بالإنابة عن حليفه «حزب الله» الذي أطلق يده بالتفاوض، بما يتجاوز الورقة الفرنسية إلى الأفكار التي طرحها الوسيط الأميركي أموس هوكستين، الذي جمّد تحركه، وربط معاودة تنقله بين بيروت وتل أبيب بالتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وتؤكد المصادر أن الوسيط الأميركي ليس في وارد إعادة تشغيل محركاته، ما لم يُتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، باعتبار أن الحزب يدرجه شرطاً لا بد من الاستجابة له للدخول في مفاوضات يتولاها الرئيس بري لتهدئة الوضع في جنوب لبنان.
ورغم أن بعض الأطراف المحلية التي لا تُصنف في خانة الخصومة مع «حزب الله» تقدر الجهود الفرنسية لتهدئة الوضع في الجنوب، فإنها تستبعد، كما أُحيطت علماً من خلال جولاتها الأوروبية والأميركية، أن توافق تل أبيب على أن يتمدد وقف إطلاق النار في غزة، في حال تم التوصل إليه، نحو الجبهة الشمالية ليشمل جنوب لبنان.
وتنقل هذه الأطراف عن مسؤولين أميركيين أن نتنياهو ماضٍ في مواجهته مع «حزب الله»، إصراراً منه على تحقيق فك ارتباط بين وحدة الساحات التي باسمها تدخل الحزب لمساندة حركة «حماس».
«حزب الله» مقتنع بأن نتنياهو غير قادر على توسعة الحرب
وتجيب مصادر سياسية على تواصل دائم مع «حزب الله» في ردها عن الأسئلة المتعلقة بموقفه من التحذيرات، بقولها إن نتنياهو ليس في وضع يسمح له بتوسعة الحرب، وإن مصلحته تكمن في إطلاق التهديدات لعله يفرض شروطه على الحزب بتغليب الحل الدبلوماسي على توسعة الحرب، خصوصاً أنه يتعرض إلى ضغوط دولية لا قدرة لديه على القفز فوقها وعدم التجاوب معها.
وتضيف هذه المصادر أن نتنياهو يتسلح بالتحذيرات للتهويل على الحزب، وصولاً للضغط عليه للتسليم بشروطه، مع أنها لا تقلل من حجم الدمار الممنهج للقرى والبلدات الأمامية الواقعة على الخط الأول والمتاخمة لإسرائيل.
وفي هذا السياق، تقول مصادر في «الثنائي الشيعي» («حزب الله» و«حركة أمل») إن أهالي القرى الأمامية اضطروا للهجرة إلى البلدات الخلفية في الجنوب، ولم تتوسع هجرتهم لتشمل مناطق خارج النطاق الجغرافي للجنوب، مع أن حجم الدمار لا يُستهان به، والأضرار قاربت حتى الساعة نحو مليار ونصف المليار دولار، بخلاف الخسائر التي لحقت بالقطاع الزراعي.
سباق بين الحرب والحل الدبلوماسي
لذلك، فإن السباق على أشده بين الحل الدبلوماسي لتهدئة الوضع في الجنوب، وتوسعة الحرب بقرار من نتنياهو، مع ارتفاع منسوب القلق حيال تفلُّت المواجهة بين الحزب وإسرائيل من قواعد الاشتباك، وتهافت الموفدين الأوروبيين إلى بيروت وفي جعبتهم رسالة واحدة يدعون فيها لضبط النفس والانفتاح على الوساطات، وتحديداً الفرنسية والأميركية، على قاعدة خفض الشروط من قبل «حزب الله».
وعليه، فإن التحذيرات من توسعة الحرب لم تصل إلى القيادات اللبنانية، من سياسية وأمنية، عن طريق ما تتناقله الشخصيات اللبنانية على لسان مَن تلتقيهم في باريس وواشنطن، وإنما تصل إليهم مباشرة من أصحاب القرار والنفوذ على المستويين الدولي والعربي، وهذا ما يُقلقهم ويدفعهم للتواصل مع قيادة «حزب الله» للوقوف على رأيها من جهة، ولسؤالها: ما العمل لقطع الطريق على إسرائيل في استدراجها للبنان لتوسعة الحرب، خصوصاً أنه لا مجال لهدر الوقت، وأن هناك ضرورة لإعطاء فرصة للمفاوضات اليوم قبل الغد؟
والسؤال هنا: كيف سيتصرف الحزب؟ وهل يأخذ بالنصائح بإعطاء الأولوية للحل الدبلوماسي؟ وأين تقف حكومة تصريف الأعمال من التحذيرات؟ وهل يتدخل رئيسها نجيب ميقاتي بالتكاتف مع الرئيس بري وبمباركة الحزب وتأييده لإنقاذ المفاوضات وتعبيد الطريق أمامها لتطبيق القرار «1701» قبل حلول شهر تموز وهو الموعد الذي حددته أكثر من جهة دولية، كما علمت «الشرق الأوسط» من مصادر أوروبية نافذة، كحد أقصى لإعادة الهدوء إلى الجنوب، لئلا يتدحرج الوضع نحو تصعيد غير مسبوق تتحضر له تل أبيب، بعد أن تكون قد استكملت اجتياحها لمدينة رفح؟