«العادة عبودية»، قالت أمهات الأمثال وخلاصات التجارب. وقد كنت أعتقد أن «الآيباد» اختراع لطيف، دخل حياتنا ومعه جملة من الفوائد الحديثة في العمل والسلوى، وماذا أكثر؟ وبرغم إخفاقي في الانتساب إلى العصر الضوئي، فإن القليل الذي أفدت منه في استخدام «الآيباد» كان جماً. أول وأعظم الاشياء أنني أقرأ صحفي صباحاً وأنا في غرفتي. وثاني الأهميات، التأكد من الأسماء، والتواريخ، واستذكار الأقوال والأحداث. ومن ثم التأكد من سلامة اللغة. والمطالعة بلا حدود. وجدول الضرب. وشراء الكتب الصادرة حديثاً. أو قديماً.
من دون أن أدرك، اكتشفت أن «الآيباد» أصبح رفيقي الأول في حياتي اليومية. معلم وصديق ومساعد ورن موسيقى، وأرشيف، وذاكرة، ومدقق لغوي، وابن منظور، ولم يبق سوى أن يغلي لي قهوة الصباح، وأعتقد أنه قريباً سوف يفعل.
لكنه الآن معطل، ولذا فأنا في العصر الحجري. لا وسيلة لدي أعرف ماذا يدور في العالم، ولا ماذا حدث له (العالم)، منذ أن ذهبت إلى النوم الليلة (البارحة)، وبالتالي، عن ماذا أكتب. فقد يكون حدث مهم قد وقع ولم أدرِ به.
بعد يوم واحد من معرفة استخدام هذا اللوح الساحر، تكون قد أصبحت إنساناً ذا مؤهلات. وتخرجت من مدرسة على أعتاب العلم. وبين يوم وآخر، يتحول قول شكسبير الشهير، «المسألة هي أن تكون أو لا تكون»، إلى تعرف، أو لا تعرف. وبعد تعطل «الآيباد» عدت إلى فئة الذين لا يعرفون.
العادة جميلةٌ وقاسيةٌ. تعيش كل عمرك من دون شيء ما، وعندما تفقده لا تعرف أن تعيش يوماً واحداً من دونه. كل ما كنت تعدّه اختراعاً مذهلاً يصبح ضرورة مألوفة يصعب الاستغناء عنها.
بمجرد أن ينطفئ ضوءٌ صغيرٌ في آلة عجيبة، تعود إلى القرون الوسطى. يصبح من أجل الحصول على جريدتك، يجب أن ترتدي ثيابك وتذهب إلى المكتبة وتتبادل التحيات مع الناس. وقد تصل المكتبة وتجد أن الصحف التي تريدها قد نفدت، فتضطر إلى شراء ورق من التفاهات المؤذية للنفس والروح والجسد. هذه، مثلاً، محنة أنت مُعفى منها منذ ظهور «الآيباد».
في غياب «الآيباد» أصبحتُ مثل الأعسر الذي يُرغم على الكتابة باليد اليمنى. كل شيء في دماغه في مكانه الطبيعي. أي على اليمين. إلا يدْ اليسرى، فهي على اليسار. إذن، أين الخطأ؟ الخطأ أنها تستولي - حبياً - على وظيفة اليد اليمنى. وبذلك يحدث اختلال عفوي يراه الآخرون، ولا يعني شيئاً لصاحبه. إذ يبدو الأعسر وكأنه «يكوّع»، لا سمح الله، وهو رجل مستقيم.