سيناريوهات كثيرة بدأت تبنى على خلفية زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى فرنسا والتي تزامنت مع زيارة قائد الجيش جوزاف عون، وعقدهما لقاءً مشتركاً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. تتكاثر التحليلات لتلك الصورة قبل المضمون.
رئيس حكومة لا يزال يحافظ على علاقته بالفرنسيين الذين أيدوه في تشكيل حكومته منذ اليوم الأول، وصولاً الى استمراره في عملية تدوير الزوايا للبقاء في السرايا الحكومية طالما أن لا أحد يبرز كبديل له، وهو نجح في إدارة أشهر المواجهات في الجنوب بشكل استدعى مديحاً وثناء من حزب الله وحركة أمل. في مقابل صورة قائد الجيش جوزاف عون والذي يعتبر مرشحاً رئاسياً بنظر الكثيرين وتتوارد المعلومات حول اعتبار الفرنسيين أنه الخيار الأنسب في هذه المرحلة ولا بد من التوافق عليه.
تقاطع ميقاتي-عون
من التحليلات التي تساق أيضاً، أن ميقاتي يتقاطع في المصلحة الى حدّ بعيد مع قائد الجيش واقعياً وسياسياً. فواقعياً تجمعهما الظروف القائمة حالياً والبحث في ملفات تطورات الوضع في الجنوب وكيفية تخفيف التصعيد والدور الذي سيكون مناطاً بالجيش اللبناني في المرحلة المقبلة بعد توفير الدعم والمساعدات له، بالإضافة الى التقاطع على أي مقاربة متصلة بملف اللاجئين السوريين وكيفية التعاطي معها، خصوصاً أن ميقاتي وعون بحثا مع الفرنسيين في الورقة الفرنسية حول الوضع في الجنوب واطلعا على التنسيق الأميركي الفرنسي، كما ناقشا ملف اللاجئين الذي يشكل ضغطاً كبيراً على لبنان وطلبوا مساعدة فرنسية وأوروبية.
أما سياسياً، فإن بعض التحليلات تربط مصلحة ميقاتي بمسألة وصول قائد الجيش الى رئاسة الجمهورية، باعتباره غير محسوب على حزب الله وطرح من قبل الطرف الآخر ما يبقي يعيد رئيس حكومة تصريف الأعمال الى السراي، علماً أن ذلك لن يكون سهلاً او ممكناً في حال وصل سليمان فرنجية، إذ أن الفريق الآخر سيطالب بشخصية أخرى أقرب اليه في رئاسة الحكومة.
غزّة اولا
لكن عملياً كل هذه التحليلات لا تزال تضع الملف اللبناني في شرنقة وكأنه خارج كل تطورات الوضع في المنطقة، مع تقاطع تأكيدات داخلية وخارجية أن لا شيء سيستجد في الإستحقاق الرئاسي قبل تبلور صورة الوضع في قطاع غزة. الجميع محكوم بانتظار نتائج المعركة هناك وكيفية انعكاسها على الداخل؛ ففرنجية يعتبر أن تطورات المنطقة تصب في صالح المحور الذي ينتمي اليه، ونظرته تتطابق مع وجهة نظر حزب الله. أما المعارضون فيعتبرون أن الحرب الدائرة والتي يمكنها أن تتوسع في أي لحظة وبنتيجة أي حسابات خاطئة ستؤدي الى قلب موازين القوى وتعيد انتاج تسوية متوازنة لا تمنح حزب الله رئاسة الجمهورية.
الاحتواء الأميركي
يمكن للتطورات في الأيام الماضية ومنذ ما بعد الردّ الإيراني على استهداف اسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق، التوقف عند نجاح الأميركيين في ضبط الضربات بين طهران وتل أبيب، فحتى الردّ الإسرائيلي على الضربة الإيرانية جاء ضمن سياق مرسوم وغير متبنى كي لا يستدعي الإنتقال الى معادلة ضربة تقابلها ضربة ومعها يمكن لكرة الثلج أن تكبر. في هذا السياق، يظهر أن الولايات المتحدة الأميركية تعود الى سياسة احتواء ايران واستيعابها والتفاوض المباشر أو غير المباشر معها، بخلاف ما كان يسعى اليه نتنياهو وهو جعل الأميركيين يتخذون موقفاً معادياً لإيران يتغير بموجبه الموقف الأميركي ما يفتح الأمور على احتمالات التصعيد بشكل أكبر. سياسة الأميركيين في احتواء ايران لها انعكاستها على وضع المنطقة، وهي بالتأكيد يراد لها أن تشتمل على الجبهة اللبنانية واحتواء التصعيد فيها، خصوصاً أن الأميركيين يشددون على رفض تدهور الأوضاع العسكرية والأمر نفسه بالنسبة الى الإيرانيين، ولذلك أعيد تفعيل التحركات الديبلوماسية في الأيام الماضية لتجديد البحث في حلول ديبلوماسية لمعضلة المواجهات في الجنوب، من خلال زيارة لودريان الى أميركا ولقائه هوكشتاين، وبعدها زيارة ميقاتي وقائد الجيش الى باريس والنقاش في الورقة الفرنسية وإدخال تعديلات عليها لتكون منسجمة مع الإقتراح الأميركي. أما ما بعد ذلك فإن النقاش سيكون حول اعتماد سياسة الإحتواء سياسياً في اي تسوية رئاسية تنتج عن هذا المسار الإيراني الأميركي.